بازگشت

كلام للسيد المرتضي


قال السيد علم الهدي رحمه الله في كتاب «تنزيه الأنبياء»:

فان قيل: ما العذر في خروجه صلوات الله عليه من مكة بأهله و عياله الي الكوفة و المستولي عليها أعداؤه و المتأمر فيها من قبل يزيد اللعين يتسلط الأمر و النهي، و قد رأي صنع أهل الكوفة بأبيه و أخيه صلوات الله عليهما، و أنهم غدارون خوانون فكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج؟

و ابن عباس رحمه الله يشير اليه بالعدول عن الخروج، و يقطع علي العطب فيه، و ابن عمر لما ودعه يقول له: أستودعك الله من قتيل، الي غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب.

ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل عليه السلام و قد أنفذه رائدا له، كيف لم يرجع و يعلم بالغرور من القوم و يفطن بالحيلة و المكيدة؟

ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل بجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة؟

ثم لما عرض عليه ابن زياد لعنه الله الأمان و أن يبايع يزيد لعنه الله كيف لم يستجب حقنا لدمه و دماء من معه من أهله و شيعته و مواليه؟ و لم ألقي بيده الي التهلكة؟ و بدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر الي معاوية، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟

الجواب؛ قلنا: قد علمنا أن الامام متي غلب علي ظنه أنه يصل الي حقه و القيام بما فوض اليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك، و ان كان بضرب من


المشقة يتحمل مثلها، تحملها، و سيدنا أبوعبدالله صلوات الله عليه لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من القوم، و عهود و عقود، و بعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين و مبتدئين غير مجيبين.

و قد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة و أشرافها و قرائها تقدمت اليه في أيام معاوية، و بعد الصلح الواقع بينه و بين الحسن عليه السلام فدفعهم، و قال في الجواب ما وجب، ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن عليه السلام و معاوية لعنه الله موجود باق، فوعدهم و مناهم فكانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.

فلما مضي معاوية و أعادوا المكابتة و بذلوا الطاعة و كرروا الطلب و الرغبة و رأي عليه السلام من قوتهم علي من كان يليهم في الحال من قبل يزيد لعنه الله و تسلطهم عليه و ضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد و التسبب.

و لم يكن في حسبانه أن القوم يغدر بعضهم، و يضعف أهل الحق عن نصرته، و يتفق ما اتفق من الامور الغريبة، فان مسلم بن عقيل عليه السلام لما دخل الكوفة أخذ البيعة علي أكثر أهلها.

و لما وردها عبيدالله بن زياد لعنه الله و قد سمع بخبر مسلم عليه السلام و دخوله بالكوفة و حصوله في دار هاني ء بن عروة المرادي - علي ما شرح في السيرة - و حصل شريك بن الأعور بها، جاء ابن زياد لعنه الله عائدا، و كان شريك وافق مسلم بن عقيل عليه السلام علي قتل ابن زياد لعنه الله عند حضوره لعيادة شريك، و أمكنه ذلك، و تيسر له فما فعل و اعتذر بعد فوت الأمر الي شريك بأن ذلك فتك، و أن


النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال: «ان الايمان قيد الفتك» [1] .

و لو كان فعل مسلم عليه السلام من قتل ابن زياد ما تمكن منه و وافقه شريك عليه لبطل الأمر، و دخل الحسين عليه السلام الكوفة غير مدافع عنها، و حسر كل أحد قناعة في نصرته، و اجتمع له كل من كان من قلبه نصرته، و ظاهره مع أعدائه.

و قد كان مسلم بن عقيل عليه السلام أيضا لما جلس ابن زياد لعنه الله هانيا سار اليه في جماعة من أهل الكوفة حتي حصره في قصره، و أخذ بكظمه، و أغلق ابن زياد لعنه الله الأبواب دونه خوفا وجبنا، حتي بث الناس في كل وجه يرعبون الناس و يرهبونهم و يخذلونهم عن نصرة ابن عقيل عليه السلام فتقاعدوا و تفرق أكثرهم حتي أمسي في شرذمة، و انصرف و كان من أمره ما كان.

و انما أردنا بذكر هذه الجملة؛ أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة، فان الاتفاق [2] عكس الأمر و قلبه [3] حتي تم فيه ما تم، و قد هم سيدنا أبوعبدالله عليه السلام لما عرف بقتل مسلم بن عقيل عليه السلام و اشير اليه بالعود، فوثب اليه بنو عقيل و قالوا: و الله؛ لا ننصرف حتي ندرك ثارنا أو نذوق ما ذاق أبونا.

فقال عليه السلام: لا خير في العيش بعد هؤلاء.

ثم لحقه الحر بن يزيد و من معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد و منعه من الانصراف و سامه أن يقدمه علي ابن زياد لعنه الله نازلا علي حكمه، فامتنع... الي أن قال:

و أن عمر لعنه الله كتب الي عبيدالله بن زياد مما سئل فأبي عليه، و كاتبه


بالمناجزة بالبيت المعروف و هو قوله لعنه الله:



الان قد علقت مخالبنا به

يرجوا النجاة ولات حين مناص



فلما رأي عليه السلام اقدام القوم عليه، و أن الدين منبوذ وراء ظهورهم، و علم أنه ان دخل تحت حكم ابن زياد لعنه الله تعجل الذل و العار، و آل من بعد الي القتل النجأ الي المحاربة و المدافعة بنفسه و أهله و من صبر من شيعته و وهب دمه له، و وقاه بنفسه، و كان بين احدي الحسنيين: اما الظفر و ربما ظفر الضعيف القليل، أو الشهادة و الميتة الكريمة.

و أما مخالفة ظنه ظن جميع من أشار اليه من الصحابة - كابن عباس و غيره - فالظنون انما تغلب بحسب الامارات، و قد تقوي عند واحدة و تضعف عند اخري، و لعل ابن عباس لم يقف علي ما كتب به عليه السلام من الكوفة، و ما تردد في ذلك من المكاتبات و المراسلات و العهود و المواثيق، و هذه امور تختلف أحوال الناس فيها و لا يمكن الاشارة الا الي جملتها دون تفصيلها.

فأما السبب في أنه لم يرجع بعد قتل مسلم بن عقيل عليه السلام؛ فقد بينا و ذكرنا أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك، فمنع منه وحيل بينه و بينه.

فأما محاربة الكثير بالنفر القليل؛ فقد بينا أن الضرورة دعت اليها، و أن الدين و الحزم ما اقتضيا في تلك الحال الا ما فعل، و لم يبذل ابن زياد لعنه الله من الأمان ما يوثق بمثله، و انما أراد اذلاله و الغض من قدره بالنزول تحت أمره، ثم يفضي الأمر بعد الذل الي ما جري من اتلاف النفس.

و لو أراد به عليه السلام الخير علي وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد، لكان قد مكنه من التوجه نحوه و استظهر عليه بمن ينفذه معه.


لكن الأضغان البدرية و الأحقاد النبوية ظهرت في هذه الأحوال و ليس يمتنع أن يكون في تلك الأحوال مجوزا أن يضي ء اليه قوم ممن بايعه و عاهده وقعد عنه، و يحملهم ما يرون من صبره و استلامه [4] و قلة ناصره علي الرجوع الي الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك نفر منهم حتي قتلوا بين يديه عليه السلام شهداء، و مثل هذا يطمع فيه و يتوقع في أيام [5] الشدة.

فأما الجمع بين فعله و فعل أخيه الحسن عليه السلام فواضح صحيح، لأن أخاه سلم كفا للفتنة، و خوفا علي نفسه و أهله و شيعته، و احساسا بالغدر من أصحابه، و هذا عليه السلام لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وثق اليه، و رأي من أسباب قوة نصار الحق و ضعف نصار الباطل ما وجب عليه معه الطلب و الخروج.

فلما انعكس ذلك و ظهرت أمارت الغدر فيه و سوء الاتفاق، رام الرجوع و المكافة و التسليم، كما فعل أخوه عليه السلام، فمنع من ذلك، و حيل بينه و بينه.

فالحالان متفقان الا أن التسليم و المكافة عند ظهور أسباب الخوف لن يقبلا منه عليه السلام، و لم يجب الي الموادعة و طلبت نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتي مضي كريما الي جنة الله و رضوانه، و هذا واضح لمتأمله. [6] .



پاورقي

[1] مسند أحمد بن حنبل: 270 / 1 ح 1429، سنن أبي‏داود: 87 / 3 ح 2769، مع اختلاف يسير.

[2] في المصدر و البحار: الاتفاق السيي.

[3] لم ترد في البحار من قوله: و قلبه... الي قوله: يحملهم.

[4] في البحار: و استسلامه.

[5] في البحار: في أحوال.

[6] تنزيه الأنبياء: 178 - 175، البحار: 96 / 45.