بازگشت

الحكمة في خروجه


ان قلت: ما الحكمة في خروجه صلوات الله عليه من المدينة الي مكة و منها قاصدا الي الكوفة و هو عليه السلام يعلم بعلم الامامة، و أخبار جده و أبيه صلوات الله عليهم في موارد كثيرة أنه عليه السلام يقتله الفئة الباغية، كما أنبأ هو عليه السلام عن نفسه به، و هذا مما لا يغير به أثر الشك؟ كيف؟ و هم خزان الله علي علمه، و يعلمون علم ما كان و ما يكون الي قيام الساعة، و عندهم علم المنايا و البلايا، و مفاتيح العلم، و أبواب الحكم، و فصل الخطاب. فكيف اختار عليه السلام الخروج الي السيوف الباترة، و الوقوع في الفتن الثائرة، التي حملتها صدور الطغاة، و احرزتها نفوس العداة؟

قلنا أولا: ان هذه المسألة من غوامض المسائل التي قدر ارتفعت عنا شوائب التكلف فيها و دواعي التكليف بها، فاللازم علي من تحري طريق الصواب و سبيل النجاة ارجاعها الي أنفسهم عليهم السلام.

و ثانيا: انهم معصومون لا يصدر عنهم معصية - لا كبيرة و لا صغيرة - فكل ما يظهر منهم من الأقوال و الأفعال فهو محبوب و مرضي عند الله عزوجل.

ثالثا: ان بني امية لعنهم الله لشدة عدواتهم و كثرة كفرهم و حسدهم كانوا


مترصدين بقتله عليه السلام بكل عيلة وحيلة، و هو عليه السلام يعلم أنهم لا يسالمونه و لا يتركونه أبدا في مكان، سواء المدينة أم غيرها، كما قال عليه السلام:

«لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لا ستخرجوني منه و يقتلونني».

و مع هذا كان يصدر من أهل الكوفة مكاتبات و مواثيق يدعونه اليهم، ففي خروجه عليه السلام اتمام للحجة عليهم.

و رابعا: انه يصدر عنهم عليهم السلام في أوقات امور و معاجز تعجز طاقة البشر عنها و يمتنع وصول الأوهام اليها و في سائر الأوقات يعملون بطريق عرفنا و عادتنا، و الا لارتفعت الحكمة الالهية في بعث الله الهادي منا، كما يشهد به ما رواه الصدوق رحمه الله في «العلل» و «الاكمال» و الشيخ الطبرسي رحمه الله في «الاحتجاج» عن محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني قال:

كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم علي بن موسي القصري، فقام اليه رجل فقال: اريد أن أسألك عن شي ء؟

فقال له: سل عما بدالك؟

فقال له الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي عليهماالسلام أهو ولي الله؟

قال: نعم.

قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟

قال: نعم.

قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه علي وليه؟

فقال أبوالقاسم قدس الله روحه: افهم عني ما أقول لك، اعلم أن الله عزوجل لا يخاطب الناس بشهادة العيان، و لا يشافههم بالكلام، و لكنه عزوجل بعث اليهم


رسولا من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم.

فلو بعث اليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم و لم يقبلوا منهم، فلما جاؤهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام، و يمشون في الأسواق، قالوا لهم: أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتي تأتونا بشي ء نعجز أن نأتي بمثله، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه.

فجعل الله عزوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها:

فمنهم من جاء بالطوفان بعد الاعذرا و الانذار فغرق جميع من طغي و تمرد؛

و منهم من القي في النار فكانت عليه بردا و سلاما؛

و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجري في ضرعها لبنا؛

و منهم من فلق له البحر و فجر له من الحجر العيون، و جعل العصا اليابسة ثعبانا فتلقف ما يأفكون؛

و منهم من أبرء الأكمه و الأبرص، و أحيي الموتي باذن الله عزوجل، و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم؛

و منهم من انشق له القمر و كلمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.

فلما أتوا بمثل المعجزات، و عجز الخلق من اممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل و لطفه بعباده و حكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين، و في اخري مغلوبين، و في حال قاهرين، و في حال مقهورين.

و لو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين، لم يبتلهم و لم يمتحنهم لا تخذهم الناس آلهة من دون الله عزوجل، و لما عرف فضل صبرهم علي البلاء و المحن و الاختبار.


و لكنه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحول غيرهم، ليكونوا في أحوال المحنة و البلوي صابرين، و في حال العافية و الظهور علي الأعداء شاكرين، و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين، غير شامخين و لا متجبرين.

و ليعلم العباد أن لهم الها هو خالقهم و مدبرهم، فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة الله تعالي ثابتة علي من تجاوز الحد فيهم، وادعي لهم الربوبية، أو عاند و خالف و عصي و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل، و ليهلك من هلك عن بينة، و يحيي من حي عن بينة.

قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت الي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في الغد و أنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا [1] يوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأني و قال: يا محمد بن ابراهيم! لأن أخر من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي في الريح في مكان سحيق [2] أحب الي من أن أقول في دين الله تعالي برأيي أو من عند نفسي، بل ذلك عن الأصل، و مسموع من الحجة صلوات الله عليه و سلامه [3] .



پاورقي

[1] في البحار: ذکر ما ذکر لنا.

[2] السحيق: البعيد، «منه رحمه الله».

[3] علل الشرائع: 230 / 1 ح 1، کمال الدين: 184 / 2، الاحتجاج: 285 / 2، البحار: 273 / 44 ح 1.