بازگشت

التناقض في السلوك


والظاهرة الغريبة في المجتمع الكوفي أنه كان في تناقض صريح مع حياته الواقعية، فهو يقول شيئا ويفعل ضده، ويؤمن بشئ ويفعل ما ينافيه والحال انه يجب أن تتطابق أعمال الانسان مع ما يؤمن به، وقد أدلي الفرزدق بهذا التناقض حينما ساله الامام عن أهل الكوفة فقال له: " خلفت قلوب الناس معك، وسيوفهم مشورة عليك ". وكان الواجب يقضي أن تذب سيوفهم عما يؤمنون به، وان يناضلوا عما يعتقدون به، ولا توجد مثل هذه الظاهرة في تاريخ أي شعب من الشعوب. ومن غرائب هذا التناقض ان المجتمع الكوفي قد تدخل تدخلا ايجابيا في المجالات السياسية وهام في تياراتها، فكان يهتف بسقوط الدولة الاموية، وقد كانبوا الامام الحسين لينقذهم من جور الامويين وبطشهم، وبعثوا الوفود اليه مع آلاف الرسائل التي تحثه علي القدوم لمصرهم، ولما بعث إليهم سفيره مسلم بن عقيل قابلوه بحماس بالغ، وأظهروا له الدعم الكامل، حتي كاتب الامام الحسين بالقدوم إليهم، ولكن لما دهمهم ابن مرجانة ونشر الرعب والفزع في بلادهم تخلوا عن مسلم، واقفلوا عليهم بيوتهم وراحوا يقولون:


" ما لنا والدخول بين السلاطين ". ان حياتهم العملية لم تكن صدي لعقيدتهم التي آمنوا بها، فقد كانوا يمنون قادتهم بالوقوف معهم ثم يتخلون عنهم في اللحظات الحاسمة. ومن مظاهر ذلك التناقض انهم بعدما ارغموا الامام الحسن (ع) علي الصلح مع معاوية، وغادر مصرهم جعلوا ينوحون ويبكون علي ما فرطوه تجاهه، ولما قتلوا الامام الحسين (ع) ودخلت سبايا أهل البيت (ع) مدينتهم أخذوا يعجون بالنياحة والبكاء فاستغرب الامام زين العابدين (ع) ذلك منهم وراح يقول: " إن هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا، فمن قتلنا؟!! ". ان فقدان التوازن في حياة ذلك المجتمع جر لهم الويلات والخطوب والقاهم في شر عظيم.