بازگشت

مع الباهلي


وجيئ بمسلم أسيرا تحف به الشرطة وقد شهرت عليه السيوف، فلما انتهي به إلي قصر الامارة راي جرة فيها ماء بارد، وقد أخذ العطش منه ماخذا اليما، فالتفت إلي من حوله قائلا: " اسقوني من هذا الماء " فانبري إليه اللئيم الدنس مسلم بن عمرو الباهلي فقال له: " أتراها ما أبردها؟ والله لا تذوق منها قطرة حتي تذوق الحميم في نار جهنم. " ولا حد لظلم الانسان، ولا منتهي لو حشيته وجفائه، فما يضر اولئك الجفاة لو سقوه الماء، وهو أسير بين أيديهم لا يملك من أمره شيئا، وكان هذا السمت من التردي وسقوط الاخلاق قد عرف به جميع السفلة الساقطين من قتلة المصلحين.. فانبري مسلم فاراد التعرف علي هذا الانسان الممسوخ الذي تنكر لابسط القيم الانسانية قاثلا له: " من أنت؟ "


فاجابه مفتخرا بانه من عملاء السلطة الاموية واذنابها قائلا: " أنا من عرف الحق إذ تركته، ونصح الامة، والامام إذ غششته وسمع وأطاع اذ عصيته.. أنا مسلم بن عمرو ". أي حق عرفه الباهلي؟ وأي نصيحة أسداها للامة هذا الجلف الجافي؟ الذي ارتطم في الباطل وماج في الضلال لقد كان منتهي ما يفخر به تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو صفحة عار وخزي علي الانسانية في جميع مراحل التاريخ ورد عليه مسلم بمنطقه الفياض قائلا: " لامك الثكل، ما أجفاك وأفظك واقسي قلبك واغلظك؟!! أنت يابن باهلة أولي بالحميم والخلود في نار جهنم مني ". واستحيا عمارة بن عقبة [1] من جفوة الباهلي وقسوته، فدعا بماء بارد، فصبه في قدح فاخذ مسلم كلما أراد أن يشرب يمتلئ القدح دما وفعل ذلك ثلاثا فقال وقد ذاب قلبه من الظما. " لو كان من الرزق المقسوم لشربته " [2] .

وهكذا شاءت المقادير أن يحرم من الماء ويموت ظامئا، كما حرم من الماء ابن عمه ريحانة الرسول (ص) وسيد شباب أهل الجنة.


پاورقي

[1] في الارشاد (ص 239) وبعث عمرو بن حريث غلاما له فجاء بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء، وقال له: اشرب.

[2] تاريخ ابن الاثير 3 / 273.