بازگشت

فشل الجيوش


وفشلت جيوش أهل الكوفة، وعجزت عن مقاومة البطل العظيم فقد اشاع فيهم القتل، والحق بهم خسائر فادحة وأسرع الخائن الجبان


محمد بن الاشعث يطلب من سيده ابن مرجانة أن يمده بالخيل والرجال فقد عجز عن مقاومة مسلم، ولامه الطاغية قائلا: " سبحان الله!! بعثناك إلي رجل واحد تاتينا به، فثلم في اصحابك هذه الثلمة العظيمة " [1] .

وثقل هذا التقريع علي ابن الاشعث، فراح يشيد بابن عقيل قائلا: " اتظن أنك أرسلتني إلي بقال من بقالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة [2] الحيرة [3] وانما بعثتني الي أسد ضرغام وسيف حسام في كف بطل همام من آل خير الانام " [4] .

وأمده ابن زياد بقوي مكثفة من الجيش، فجعل البطل العظيم يقاتل وحده وهو يرتجز:



أقسمت لا اقتل إلا حرا

وإن رايت الموت شيئا نكرا



أو يخلط البارد سخنا مرا

رد شعاع الشمس فاستقرا



كل امرئ يوما يلافي شرا

أخاف أن اكذب او اغرا [5] .



لقد كنت يا بن عقيل سيد الاحرار، فقد رفعت لواء العزة والكرامة ورفعت شعار الحرية والاباء، واما خصومك الحقراء فهم العبيد الذين رضوا بالذل والهوان... وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله: " هو رجز - من الناحية النفسية - صادق كل الصدق، معبرا


تعبيرا دقيقا عن الموجات النفسية التي كانت تندفع في نفس الشاعر، وهو في موقفه الضيق الحرج، فهو قبل كل شئ مصمم علي أن يحتفظ بحريته ولو أدي هذا الي قتله، وهو يعلن في صراحة وصدق أن الموت شئ منكر ولا يقول هذا كما يقوله غيره ممن يغالطون أنفسهم أن الموت شئ محبب الي نفسه، وانما يعبر عن نفسيته تعبيرا صادقا، فالموت شئ لا يحبه، ولكنه لا يفر منه ما دام قد صمم علي الاحتفاظ بحريته. ثم يحاول أن يهدئ من روعه، ويجعل هذه الموجة العالية الرهيبة تنحسر عن نفسه دون أن يجذبها في تيارات من الهلع والفزع، فيحدث عن نفسه بان الدنيا متقلبة، وكل امرئ فيها لا بد أن يلاقي ما يسوؤه، وهو يعرض هذا الحديث النفسي في صورة فنية رائعة. وأضاف يقول: انه حريص علي الحياة، ولكنه حريص علي الحرية بجعله مترددا لانه يخشي - بل يخاف - أن يكذب عليه اعداؤه او يخدعوه فيقتلوه دون محاولة منه لتنفيذ عهده بان يموت في سبيل حريته، أو ياسروه فيفقد حريته التي يحرص عليها حرصه علي الحياة. أرايت كيف استطاع أن يصور موقفه الضيق الحرج هذا التصوير الفتي الرائع الذي يشمل روعته من تعبيره عن نفسيته تعبيرا صادقا لا رياء فيه ولا تضليل؟ ان هذا هو السر الذي يجعل هذه الشطور القليلة تؤثر في نفوسنا تاثيرا يجعلنا نشعر بما كان يعانيه قائلها من صراع داخلي هائل لا يعد له الا صراعه الخارجي مع أعدائه " [6] .



پاورقي

[1] الفتوح 5 / 63.

[2] الجرامقة: قوم من العجم صاروا الي الموصل.

[3] مقتل الحسين للمقرم (ص 180).

[4] الفتوح 5 / 93.

[5] تاريخ الطبري.

[6] حياة الشعر في الکوفة (ص 371 - 372).