بازگشت

التجسس علي مسلم


وأول بادرة سلكها ابن زياد هي التجسس علي مسلم، ومعرفة جميع نشاطاته السياسية والوقوف علي نقاط القوة والضعف عنده، وقد اختار للقيام بهذه المهمة مولاه معقلا، وكان من صنائعه، وتربي في كنفه، ودرس طباعه، ووثق باخلاصه، وكان فطنا ذكيا، فاعطاه ثلاثة آلاف درهم، وامره أن يتصل بالشيعة، ويعرفهم أنه من أهل الشام، وانه مولي الذي الكلاع الحميري، وكانت الصبغة السائدة علي الموالي هي الاخلاص لاهل البيت (ع) ولذا أمره بالانتساب الي الموالي، حتي ينفي الشك والريب عنه، وقال له: انه اذا التقي بهم فليعرفهم بانه ممن انعم الله عليه بحب أهل البيت (ع) وقد بلغه قدوم رجل الي الكوفة يدعو للامام الحسين، وعنده مال يريد أن يلقاه ليوصله إليه حتي يستعين به علي حرب عدوه، ومضي معقل في مهمته فدخل الجامع، وجعل يفحص ويسال عمن له معرفة بمسلم، فارشد الي مسلم بن عوسجة، فانبري إليه، وهو يظهر الاخلاص والولاء للعترة الطاهرة قائلا له: " إني أتيتك لتقبض مني هذا المال، وتدلني علي صاحبك لابايعه،


وان شئت أخذت بيعتي قبل لقائي اياه... ". فقال مسلم: لقد سرني لقاؤك اياي لتنال الذي تحب، وينصر الله بك أهل نبيه، وقد ساني معرفة الناس اياي من قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية وسطوته، ثم اخذ منه البيعة وأخذ منه المواثيق المغلظة علي النصيحة وكتمان الامر [1] وفي اليوم الثاني أدخله علي مسلم فبايعه وأخذ منه المال وأعطاه إلي أبي ثمامة الصائدي، وكان قد عينه لقبض المال ليشتري به السلاح والكراع، وكان معقل فيما يقول المؤرخون: أول من يدخل علي مسلم، وآخر من يخرج منه، وجميع البوادر والاحداث التي تصدر ينقلها بتحفظ في المساء إلي ابن زياد [2] حتي وقف علي جميع اسرار الثورة. مع أعضاء الثورة. والذي يواجه أعضاء الثورة من المؤاخذات ما يلي: أولا: ان معقل كان من أهل الشام الذي عرفوا بالبغض والكراهية لاهل البيت (ع) والولاء لبني أمية والتفاني في حبهم فما معني الركون إليه؟ ثانيا: ان اللازم التريب حينما أعطي المال لمسلم بن عوسجة وهو يبكي، فما معني بكائه أو تباكيه؟ اليس ذلك مما يوجب الريب في شانه. ثالثا: انه حينما اتصل بهم كان أول داخل وآخر خارج، فما معني هذا الاستمرار والمكث الطويل في مقر القيادة العامة؟ اليس ذلك مما يوجب الشك في أمره؟ لقد كان الاولي بالقوم التحرز منه، ولكن القوم قد خدعتهم الظاهر المزيقة، ومن الحق ان هذا الجاسوس كان ماهرا في صناعتهم، وخبيرا فيما انتدب إليه.


وعلي أي حال فان ابن زياد قد استفاد من عملية التجسس أمورا بالغة الخطورة فقد عرف العناصر الفعالة في الثورة، وعرف مواطن الضعف فيها، وغير ذلك من الامور التي ساعدته علي التغلب علي الاحداث


پاورقي

[1] تاريخ ابن الاثير 3 / 269.

[2] الاخبار الطوال (ص 215).