بازگشت

اضواء علي الموقف


ويتساءل الكثيرون من الناس عن موقف مسلم، فيلقون عليه اللوم والتقريع، ويحملونه مسؤولية ما وقع من الاحداث، فلو اغتال الطاغية لانقذ المسلمين من شر عظيم، وما مني المسلمون بتلك الازمات الموجعة التي أغرقتهم في المحن والخطوب... أما هذا النقد فليس موضوعيا، ولا يحمل أي طابع من التوازن والتحقيق، وذلك لعدم التقائه بسيرة مسلم ولا بواقع شخصيته، فقد كان الرجل فذا من أفذاذ الاسلام في ورعه وتقواه، وتحرجه في الدين، فقد تربي في بيت عمه أمير المؤمنين (ع) وحمل اتجاهاته الفكرية، واتخذ سيرته المشرقة منهاجا يسير علي أضوائها


في حياته، وقد بني الامام أمير المؤمنين (ع) واقع حياته علي الحق المحض الذي لا التواء فيه، وتحرج كاعظم ما يكون التحرج في سلوكه فلم يرتكب أي شئ شذ عن هدي الاسلام وواقعه وهو القائل: " قد يري الحول القلب وجه الحيلة ودونها حاجز من تقوي الله ". وعلي ضوء هذه السيرة بني ابن عقيل حياته الفكرية، وتكاد أن تكون هذه السيرة هي المنهاج البارز في سلوك العلويين يقول الدكتور محمد طاهر دروش: " كان للهاشميين مجال يحيون فيه، ولا يعرفون سواه، فهم منذ جاهليتهم للرياسة الدينية قد طبعوا علي ما توحي به من الايمان والصراحة والصدق والعفة والشرف والفضيلة، والترفع والخلائق المثالية والمزايا الاديبة والشمائل الدينية والاداب النبوية " [1] .

ان مسلما لم يقدم علي اغتيال عدوه الماكر لان الايمان قيد الفتك، ولا يفتك مؤمن، وعلق هبة الدين علي هذه الكلمة بقوله: " كلمة كبيرة المغزي، بعيدة المدي فان آل علي من قوة تمسكهم بالحق والصدق نبذوا الغدر والمكر حتي لدي الضرورة، واختاروا النصر الاجل بقوة الحق علي النصر العاجل بالخديعة، شنشنة فيهم معروفة عن اسلافهم، وموروثة في اخلاقهم، كانهم مخلوقون لاقامة حكم العدل والفضيلة في قلوب العرفاء الاصفياء، وقد حفظ التاريخ لهم الكراسي في القلوب " [2] .

ويقول الشيخ احمد فهمي: " فهذا عبيد الله بن زياد، وهو من هو في دهائه، وشدة مراسه امكنت مسلما الفرصة منه اذا كان بين يديه، وراسه قريب المنال منه،


وكان في استطاعته قتله ولو انه فعل ذلك لحرم يزيد نفسا جبارة، ويدا فتاكة، وقوة لا يستهان بها، ولكن مسلما متاثر بهدي ابن عمه عاف هذا المسلك وصان نفسه من أن يقتله غيلة ومكرا، [3] .

وان مهمة مسلم التي عهد بها إليه هي أخذ البيعة من الناس والتعرف علي مجريات الاحداث، ولم يعهد إليه باكثر من ذلك، ولو قام باغتيال الطاغية لخرج عن حدود مسؤولياته.. علي أن الحكومة التي جاء ممثلا لها انما هي حكومة دينية تعني قبل كل شئ بمبادئ الدين والالتزام بتطبيق سننه وأحكامه، وليس من الاسلام في شئ القيام بعملية الاغتيال. وقد كان أهل البيت (ع) يتحرجون كاشد ما يكون التحرج من السلوك في المنعطفات، وكانوا ينعون علي الامويين شذوذ أعمالهم التي لا تتفق مع نواميس الدين، وما قام الحسين بنهضته الكبري الا لتصحيح الاوضاع الراهنة واعادة المنهج الاسلامي الي الناس.. وما ذا يقول مسلم للاخيار والمتحرجين في دينهم لو قام بهذه العملية التي لا يقرها الدين. وعلي أي حال فقد استمسك مسلم بفضائل دينه وشرفه من اغتيال ابن زياد، وكان تحت قبضته، وان من أهزل الاقوال وأوهنها القول بان عدم فتكه به ناشئ عن ضعفه وخوره، فان هذا أمر لا يمكن أن يصغي إليه فقد أثبت في مواقفه البطولية في الكوفة حينما غدر به أهلها ما لم يشاهد التاريخ له نظيرا في جميع مراحله، فقد صمد أمام ذلك الزحف الهائل من الجيوش فقابلها وحده ولم تظهر عليه أي بادرة من الخوف والوهن، فقد قام بعزم ثابت يحصد الرؤوس ويحطم الجيوش حتي ضجت الكوفة من كثرة من قتل منها، فكيف يتهم بطل هاشم وفخر عدنان بالوهن والضعف؟



پاورقي

[1] الخطابة في صدر الاسلام 2 / 13.

[2] نهضة الحسين (ص 84).

[3] ريحانة الرسول (ص 178).