بازگشت

امتناع مسلم من اغتيال ابن زياد


وذهب معظم المؤرخين إلي أن شريك بن الاعور مرض مرضا شديدا في بيت هانئ بن عروة أو في بيته [1] فانتهي خبره الي ابن زياد فارسل إليه رسولا يعلمه أنه آت لعيادته، فاغتنم شريك هذه الفرصة فقال لمسلم: " انما غايتك وغاية شيعتك هلاك هذا الطاغية، وقد أمكنك الله منه وهو صائر إلي ليعودني فقم فادخل الخزانة حتي اذا اطمان عندي فاخرج إليه فاقتله، ثم صر الي قصر الامارة فاجلس فيه فانه لا ينازعك فيه أحد من الناس، وان رزقني الله العافية صرت إلي البصرة فكفيتك أمرها، وبايع


لك أهلها " [2] .

وكره هانئ أن يقتل ابن زياد في داره تمسكا بالعادات العربية التي لا تبيح قتل الضيف والقاصد إليها في بيوتها [3] فقال له: " ما أحب أن يقتل في داري " فقال له شريك: " ولم فو الله ان قتله لقربان الي الله " ولم يعن شريك بهانئ والتفت الي مسلم يحثه علي اغتيال ابن زياد قائلا له: " لا تقصر في ذلك " وبينما هم في الحديث واذا بالضجة علي الباب فقد أقبل ابن مرجانة مع حاشيته، فقام مسلم ودخل الخزانة مختفيا بها، ودخل ابن زياد فجعل يسال شريكا عن مرضه، وشريك يجيبه، ولما استبطا شريك خروج مسلم جعل يقول:



ما الانتظار بسلمي أن تحيوها

حيوا سليمي وحيوا من يحيها



كاس المنية بالتعجيل فاسقوها [4] .






ورفع صوته ليسمع مسلما قائلا: " لله أبوك اسقنيها وان كانت فيها نفسي " [5] .

وغفل ابن زياد عن مراده، وظن أنه يهجر فقال لهانئ: - أيهجر؟ - نعم أصلح الله الامير لم يزل هكذا منذ اصبح [6] .

وفطن مهران مولي ابن زياد، وكان ذكيا الي ما دبر لسيده، فغمزه ونهض به سريعا فقال له شريك: أيها الامير إني أريد أن أوصي إليك فقال له ابن زياد: اني اعود إليك والتفت مهران وهو مذعور الي ابن زياد فقال له: " انه أراد قتلك " فبهر ابن زياد، وقال: " كيف مع اكرامي له؟!! وفي بيت هانئ ويد أبي عنده! " ولما ولي الطاغية خرج مسلم من الحجرة، فالتفت إليه شريك وقلبه يذوب أسي وحسرات قال له: " ما منعك من قتله؟ " [7] .

فقال مسلم: منعني منه خلتان: احداهما كراهية هانئ لقتله في


منزله، والاخري قول رسول الله (ص): ان الايمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن، فقال له شريك: أما والله لو قتلته لاستقام لك أمرك، واستوسق لك سلطانك [8] .

ولم يلبث شريك بعد الحادثة الا ثلاثة أيام حتي توفي، فصلي عليه ابن زياد ودفنه بالثوية، ولما تبين له ما دبره له شريك طفق يقول: والله لا أصلي علي جنازة عراقي، ولولا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا [9] .


پاورقي

[1] البداية والنهاية 8 / 153، والمشهور بين المؤرخون ان شريکا کان في بيت هانئ لا في بيته فقد کان مقيما بالبصرة، وجاء مع ابن زياد الي الکوفة.

[2] الاخبار الطوال (ص 214) مقاتل الطالبيين (ص 98) تاريخ ابن الاثير 3 / 269، وذهب بعض المؤرخين الي أن الذي دعا مسلما لاغتيال ابن زياد هو هانئ بن عروة کما في الامامة والسياسة 2 / 4.

[3] يشير الي ذلک ما جاء في مقاتل الطالبيين (ص 98) ان هانئا استقبح قتل ابن زياد في داره.

[4] مقاتل الطالبيين (ص 98) وفي مقتل أبي مخنف أنه أنشد هذه الابيات:



ما تنظرون بسلمي لا تحييوها

حيوا سليمي وحيوا من يحيها



هل شربة عذبة اسقي علي ظما

ولو تلفت وکانت منيتي فيها



وان تخشيت من سلمي مراقبة

فلست تامن يوما من دواهيها



وفي الفتوح 5 / 72 والاخبار الطوال (ص 214) انه أنشد هذا البيت:



ما تنظرون بسلمي عند فرصتها

فقدوني ودها واستوسق الصرم.

[5] مقاتل الطالبيين (ص 99).

[6] تاريخ ابن الاثير 3 / 270.

[7] تاريخ ابن الاثير 3 / 269 - 270.

[8] الاخبار الطوال (ص 214) وفي تاريخ ابن الاثير 3 / 270 ان هانئا قال لمسلم: لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا کافرا غادرا، وذکر ابن نما ان امراة هانئ تعلقت بمسلم، وأقسمت عليه بالله ان لا يقتل ابن زياد في دارها، فلما علم هانئ قال: يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه.

[9] تاريخ الطبري 6 / 202، الاغاني 6 / 59.