بازگشت

ايفاد مسلم الي العراق


و تتابعت كتب أهل الكوفة - كالسيل - الي الامام الحسين، وهي تحثه علي المسير والقدوم إليهم لانقاذهم من ظلم الامويين وعنفهم، وكانت بعض تلك الرسائل تحمله المسؤولية أمام الله والامة إن تاخير عن اجابتهم. وراي الامام - قبل كل شئ - أن يختار للقياهم سفيرا له يعرفه باتجاهاتهم، وصدق نياتهم، فان راي منهم نية صادقة، وعزيمة مصممة فياخذ البيعة منهم، ثم يتوجه إليهم بعد ذلك، وقد اختار لسفارته ثقته وكبير أهل بيته، والمبرز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل، وهو من أفذاذ التاريخ، ومن أمهر الساسة، وأكثرهم قابلية علي مواجهة الظروف، وللصمود أمام الحداث، وعرض عليه الامام القيام بهذه المهمة. فاستجاب له عن رضي ورغبة، وزوده برسالة رويت بصور متعددة وهي: الأولي: رواها ابو حنيفة الدينوري وهذا نصها " من الحسين بن علي الي من بلغه كتابي هذا من أوليائه وشيعته بالكوفة، سلام عليكم، أما بعد: فقد أتتني كتبكم، وفهمت ما ذكرتم من محبتكم لقدومي عليكم وأنا باعث إليكم باخي وابن عمي، وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل ليعلم لي كنه أمركم، ويكتب إلي بما يتبين له من اجتماعكم فان كان أمركم علي ما أتتني به كتبكم، واخبرتني به رسلكم أسرعت القدوم اليكم ان شاء الله والسلام.. " [1] .

الثانية: رواها صفي الدين وقد جاء فيها بعد البسملة: " أما بعد فقد وصلتني كتبكم، وفهمت ما اقتضته آراؤكم، وقد بعثت اليكم ثقتي وابن عمي مسلم بن عقيل، وساقدم عليكم وشيكا في أثره إن شاء الله.. " [2] .


وهذه الرواية شاذة إذ لم يذكر فيها مهمة مسلم في ايفاده إليهم من أخذ البيعة له، وغير ذلك مما هو من صميم الموضوع في ارسال مسلم. الثالثة: رواها الطبري وقد جاء فيها بعد البسملة: " من الحسين بن علي الي الملاء من المؤمنين والمسلمين أما بعد: فان هانئا وسعيدا [3] قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم، وذكرتم ومقالة جلكم، أنه ليس علينا امام فاقبل لعل الله يجمعنا بك علي الهدي والحق. وقد بعثت لكم أخي وابن عمي، وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورايكم، فان كتب أنه قد اجتمع راي ملاكم وذوي الفضل والحجي منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرات في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله، فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق، والحابس نفسه علي ذات الله والسلام.. " [4] .

وحفلت هذه الرسالة - حسب نص الطبري - بالامور التالية: 1 - توثيق مسلم والتدليل علي سمو مكانته، فهو ثقة الحسين. 2 - تحديد صلاحية مسلم باستكشاف الاوضاع الراهنة، ومعرفة التيارات السياسية، ومدي صدق القوم في دعواهم، ومن الطبيعي أنه لا تناط معرفة هذه الامور الحساسة إلا بمن كانت له المعرفة التامة بشؤون المجتمع وأحوال الناس: 3 - انه أوقف قدومه عليهم بتعريف مسلم له باجماع الجماهير ورجال الفكر علي بيعته، فلا يقدم عليهم حتي يعرفه سفيره بذلك.


4 - انه تحدث عما يجب أن يتصف به الامام، والقائد لمسيرة الامة من الصفات وهي: أ - العمل بكتاب الله ب - الاخذ بالقسط ج - الاداناة بالحق د - حبس النفس علي ذات الله ولم تتوفر هذه الصفات الرفيعة إلا في شخصيته الكريمة التي تحكي اتجاهات الرسول (ص) ونزعاته. وتسلم مسلم هذه الرسالة، وقد أوصاه الامام بتقوي الله، وكتمان أمره [5] وغادر مسلم مكة ليلة النصف من رمضان [6] وعرج في طريقه علي يثرب فصلي في مسجد الرسول (ص) وطاف بضريحه، وودع أهله وأصحابه [7] وكان ذلك هو الوداع الاخير لهم، واتجه صوب العراق وكان معه قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله الازدي، واستاجر من يثرب دليلين من قيس يدلانه علي الطريق [8] .

وسارت قافلة مسلم تجذ في السير لا تلوي علي شئ، يتقدمها الدليلان وهما يتنكبان الطريق خوفا من الطلب، فضلا عن الطريق، ولم يهتديا له وقد اعياهما السير واشتد بهما العطش، فاشارا الي مسلم بسنن الطريق بعد


أن بان لهما، وتوفيا في ذلك المكان حسبما يقوله المؤرخون [9] وسار مسلم مع رفقائه حتي افضوا إلي الطريق، ووجدوا ماءا فاقاموا فيه ليستريحوا مما ألم بهم من عظيم الجهد والعناء.


پاورقي

[1] الاخبار الطوال (ص 210).

[2] وسيلة المال (ص 186) من مصورات مکتبة الامام الحکيم.

[3] هما: هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي.

[4] الطبري 6 / 197.

[5] تاريخ ابن الاثير 3 / 267.

[6] مروج الذهب 2 / 86.

[7] تاريخ الطبري 6 / 198.

[8] الاخبار الطوال (ص 231) تاريخ ابن الاثير 3 / 267.

[9] الارشاد (ص 227).