بازگشت

اقصاء حاكم المدينة


كان الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واليا علي يثرب بعد عزل مروان عنها، وكان - فيما يقول المؤرخون - فطنا ذكيا يحب العافية ويكره الفتنة، ولما امتنع الامام الحسين (ع) من البيعة ليزيد لم يتخذ معه


الاجراءات الصارمة، ولم يكرهه علي ما لا يحب، وانما فسح له المجال في الرحيل إلي مكة من دون أن يعوقه عنها، في حين قد اصر عليه مروان بالتنكيل به فرفض ذلك، وقد نقل الامويون موقفه المتسم باللين والتسامح مع الحسين الي يزيد فغضب عليه وعزله عن ولايته [1] ، وقد عهد بها إلي جبار من جبابرة الامويين عمرو بن سعيد الاشدق [2] وقد عرف بالقسوة والغلظة، قدم إلي المدينة في رمضان بعد أن تسلم ولايته عليها فصلي، بالناس صلاة العتمة، وفي الصباح خرج علي الناس وعليه قميص احمر وعمامة حمراء فرماه الناس بابصارهم منكرين ما هو عليه، فصعد المنبر فقال: " يا اهل المدينة، ما لكم ترموننا بابصاركم كانكم تقروننا سيوفكم؟ انسيتم ما فعلتم! أما لو انتقم في الاول ما عدتم إلي الثانية، اغركم اذ قتلتم عثمان فوجدتموه صابرا حليما، واماما، فذهب غضبه، وذهبت ذاته، فاغتنموا انفسكم، فقد وليكم امام بالشباب المقتبل البعيد الامل، وقد اعتدل جمسه، واشتد عظمه، ورمي الدهر ببصره، واستقبله باسره، فهو إن عض لهس، وان وطئ فرس، لا يقلقه الحصي، ولا تقرع له العصا " وعرض في خطابه لابن الزبير فقال: " فو الله لنغزونه، ثم لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه، علي رغم


انف من رغم.. " [3] .

ورعف الطاغية علي المنبر فالقي إليه رجل عمامة فمسح بها دمه فقال رجل من خثعم: " دم علي المنبر في عمامة، فتنة عمت وعلا ذكرها ورب الكعبة " [4] .

وقد أثر عن رسول الله (ص) أنه قال: " ليرعفن علي منبري جبار من جبابرة بني أمية فيسيل رعافه ": [5] .

وعزم الاشدق علي مقابلة الجبهة المعارضة بالقوة والبطش، وقد حفزه إلي ذلك ما حل بسلفه الوليد من الاقصاء وسلب الثقة عنه نتيجة تساهله مع الحسين (ع)، ولعل من أوثق الاسباب التي دعت الامام الحسين (ع) إلي مغادرة الحجاز هو الحذر من بطش هذا الطاغية به، والخوف من اغتياله وهو في الحرم.


پاورقي

[1] البداية والنهاية 8 / 148.

[2] الاشدق: لقب بذلک لتشادقه الکلام، وقيل انما لقب بذلک لانه کان افقم مائل الذقن، جاء ذلک في البيان والتبيين 1 / 315، وقيل انما لقب بذلک لانه أصابه اعوجاج في حلقه لاغراقه في شتم علي جاء ذلک في معجم الشعراء (231).

[3] تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 268.

[4] سمط النجوم العوالي 3 / 57.

[5] مجمع الزوائد 5 / 240.