بازگشت

فزع ابن الزبير


وكان ابن الزبير لاجئا الي مكة فرارا من البيعة ليزيد، وقد ثقل عليه اختلاف الناس علي الامام الحسين (ع) واجماعهم علي تعظيمه وتبجيله وزهد الناس وانصرافهم عنه لانه لم يكن يتمتع بصفة محبوبة، ولا بنزعة كريمة، يقول زيد بن علي الجذعاني: " وكانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة لانه كان بخيلا ضيق العطن [1] سيئ الخلق، حسودا كثير الخلاف أخرج محمد بن الحنفية، ونفي عبد الله بن عباس الي الطائف " [2] .

ومن مظاهر ذاتياته الشح والبخل، وفيه يقول الشاعر:



رايت أبا بكر وربك غالب

علي أمره يبغي الخلافة بالتمر [3] .



وقد عاني الشعب في أيام حكمه القصير الجوع والحرمان، كما عانت الموالي التي بالغت في نصرته أشد ألوان الضيق، وقد عبر شاعرهم عن خيبة أملهم في نصرته يقول:




إن الموالي أمست وهي عاتبة

علي الخليفة تشكو الجوع والسغبا



ماذا علينا وماذا كان يرزؤنا

أي الملوك علي من حولنا غلبا [4] .



واظهر ابن الزبير النسك والطاعة والتقشف تصنعا لصيد البسطاء واغراء السذج، وقد وصفه الامام امير المؤمنين (ع) بقوله: " ينصب حبالة الدين لاصطفاء الدنيا " [5] .

ومن المؤكد أنه لم يكن يبغي في خروجه علي سلطان بني أمية وجه الله وانما كان يبغي الملك والسلطان، وقد أدلي بذلك عبد الله بن عمر حينما ألحت عليه زوجته في مبايعته، وذكرت له طاعته وتقواه فقال لها: " أما رايت بغلات معاوية التي كان يحج عليها الشهباء؟ فان ابن الزبير ما يريد غيرهن " [6] .

وعلي أي حال فان ابن الزبير لم يكن شئ اثقل عليه من أمر الحسين لعلمه بانه لا يبايعه احد مع وجود الحسين (ع) لانه ابن رسول الله (ص) فليس علي وجه الارض أحد يساميه ولا يساويه - كما يقول ابن كثير - [7] .

واكد ذلك (اوكلي) قال: ان ابن الزبير كان مقتنعا تماما بان كل جهوده ستضيع عبثا طالما بقي الحسين علي قيد الحياة، ولكن اذا أصابه مكروه فان طريق الخلافة سيكون ممهدا له.


وكان يشير علي الامام بالخروج إلي العراق للتخلص منه، ويقول له: " ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك؟ فو الله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم " [8] .

ولم يمنح ابن الزبير النصيحة للامام، ولم يخلص له في الراي، وانما أراد أن يستريح منه، ولم تخف علي الامام دوافعه، فراح يقول لاصحابه: " إن هذا - وأشار إلي ابن الزبير - ليس شئ من الدنيا أحب إليه من أن اخرج من الحجاز وقد علم أن الناس لا يعدلونه بي فود أني خرجت حتي يخلو له " [9] .

ولم تحفل السلطة الاموية بابن الزبير وإنما وجهت جميع اهتمامها نحو الامام الحسين.


پاورقي

[1] العطن: مبرک الابل، ومربض الغنم.

[2] فوات الوفيات 1 / 448.

[3] المعارف لابن قتيبة (ص 76).

[4] مروج الذهب 3 / 22.

[5] شرح النهج 7 / 24.

[6] المختار (ص 95).

[7] البداية والنهاية 8 / 150 وجاء في وسيلة المال (ص 185) وقد ثقلت وطاة الحسين علي ابن الزبير لان اهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين بالبلد، ولا يتهيا له ما يطلب منهم مع وجود الحسين.

[8] تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 268.

[9] تاريخ ابن الاثير 4 / 16، الطبري 6 / 216.