بازگشت

احمد محمود صبحي


يقول الدكتور احمد محمود صبحي: " ثم رفض - يعني الحسين - إلا أن يصحب أهله ليشهد الناس علي ما يقترفه اعداؤه بما لا يبرره دين ولاوزاع من انسانية، فلا تضيع قضيته مع دمه المراق في الصحراء فيقتري عليه أشد الافتراء حين يعدم الشاهد العادل علي كل ما جري بينه وبين أعدائه، تقول الدكتورة بنت الشاطئ: افسدت زينت أخت الحسين علي ابن زياد وبني أمية لذة النصر، وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين وان كل الاحداث السياسية التي ترتبت بعد ذلك من خروج المختار وثورة ابن الزبير وسقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسية ثم تاصل مذهب الشيعة انما كانت زينب هي باعثة ذلك ومثيرته [1] .

أريد أن أقول ما ذا يكون الحال لو قتل الحسين ومن معه جميعا من الرجال الا أن يسجل التاريخ هذه الحادثة الخطيرة من وجهة نظر أعدائه


فيضيع كل اثر لقضيته مع دمه المسفوك في الصحراء.. " [2] .

هذه بعض الاراء التي تدعم ما ذكرناه من أن خروج الحسين (ع) بعائلته لم يكن الغرض من إلا بلورة الراي العام، وايضاح المقاصد الرفيعة التي ثار من أجلها ومن أهمها القضاء علي دولة الامويين التي كانت تشكل خطرا مباشرا علي العقيدة الاسلامية وهناك راي آخر أدلي به العلامة المغفور له الشيخ عبد الواحد المظفر، وهو ان الحسين انما خرج بعائلته خوفا عليها من اعتقال الامويين وزجها في سجونهم قال: " الحسين لو أبقي النساء في المدينة لوضعت السلطة الاموية عليها الحجر، لا بل اعتقلتها علنا وزجتها في ظلمات السجون، ولابد له حينئذ من أحد أمرين خطيرين كل منهما يشل أعضاء نهضته المقدسة! اما الاستسلام لاعدائه واعطاء صففته لهم طائعا ليستنفذ العائلة المصونة وهذا خلاف الاصلاح الذي ينشده، وفرض علي نفسه القيام به مهما كلفه الامر من الاخطار، أو يمضي في سبيل احياء دعوته، ويترك المخدرات اللواتي ضرب عليهن الوحي سترا من العظمة والاجلال، وهذا مالا تطيق احتماله نفس الحسين الغيور ولا يرادع امية رادع من الحياء، ولا يزجرها زاجر من الاسلام. ان امية لا يهمها اقتراف الشائن في بلوغ مقاصدها، وادراك غاياتها فتتوصل الي غرضها ولو بارتكاب أقبح المنكرات الدينية والعقلية. ألم يطرق سمعك سجن الامويين لزوجة عمرو بن الحمق الخزاعي، وزوجة عبيد الله بن الحر الجعفي واخيرا زوجة الكميت الاسدي " [3] .


وعلي أي حال فقد حطم الامام بخروجه لعائلته جميع مخططات السياسة الاموية ونسف جميع ما أقامه معاوية من معالم الظلم، فقد قمن عقائل الوحي بدور فعال ببث الوعي الاجتماعي، وتعريف المجتمع بواقع الامويين وتجريدهم من الاطار الديني، ولولاهن لاندرست معالم ثورة الحسين، وذهبت ادراج الرياح. إن من ألمع الاسباب في استمرار خلود ماساة الامام الحسين (ع) واستمرار فعالياتها في بث الاصلاح الاجتماعي علي امتداد التاريخ هو حمل ودائع الرسالة وعقائل الوحي مع الامام فقد قمن بدور مشرق ببلورة الراي العام، فحملن راية الايمان التي حملها الامام العظيم، ونشرن مبادءه العليا التي استشهد من أجلها، فقد انبرت حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين السيدة زينب بنت امير المؤمنين (ع) الي ساحات الجهاد، وهي تدك حصون الظالمين، وتدمر جميع ما احرزوه من الانتصارات في قتل اخيها، وتلحق بهم الهزيمة والعار، وتملا بيوتهم ماساة وحزنا. لقد اقبلت قائدة المسيرة الحسينية عقيلة الوحي زينب (ع) الي ساحة المعركة وهي تشق صفوف الجيش تفتش عن جثمان اخيها الامام العظيم فلما وقفت عليه شخصت لها ابصار الجيش، واستحال الي سمع فماذا تقول أمام هذه الخطوب المذهلة التي تواكبت عليها؟ انها وقفت عليها غير مدهوشة لم تذهلها الرزايا التي تميد منها الجبال، فشخصت يبصرها الي السماء؟ وهي تقول بحماسة الايمان وحرارة العقيدة قائلة: " اللهم تقبل منا هذا القربان ". واطلقت بذلك أول شرارة للثورة علي الحكم الاموي بعد أخيها، وود الجيش أن تسبخ به الارض فقد استبان له عظم ما اقترفه من الاثم وانه قد أباد


عناصر الاسلام، ومراكز الوعي والايمان. ولما اقتربت سبايا اهل البيت (ع) الي الكوفة خرجت الجماهير الحاشدة لاستقبال السباسا فخطبت فيهم عقيلة الوحي خطابا مثيرا ومذهلا واذا بالناس حياري لا يعون ولا يدرون قد استحالت بيوتهم إلي ماتم وهم يندبون حظهم التعيس ويبكون علي ما اقترفوه من الجرم، وحينما انتهت الي دار الامارة استقبلها الطاغية متشفيا باحط واخس ما يكون التشفي قائلا: " كيف رايت صنع الله باخيك؟ " وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود فاجابته بكلمات النصر والظفر قائلة: " ما رايت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الي مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة ". واخزت هذه الكلمات ابن مرجانه فكانت اشق عليه من ضرب السيوف وطعن الرماح، ولما انتهت إلي الشام هزت العرش الاموي بخطابها المثير الرائع، وحققت بذلك من النصر ما لم تحققه الجيوش... لقد كان حمل الامام الحسين لعائلته قائما علي أساس من الوعي العميق الذي احرز به الفتح والنصر. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض اسباب الثورة الحسينية ومخططاتها.



پاورقي

[1] بطلة کربلا (ص 176 و 180).

[2] نظرية الامامة لدي الشيعة الاثني عشرية (ص 343).

[3] توضيح الغامض من اسرار السنن والفرائض (ص 297 - 298).