بازگشت

وصيته لابن الحنفية


وعهد الامام بوصيته الخالدة إلي أخيه ابن الحنفية، وقد تحدث فيها عن أسباب ثورته الكبري علي حكومة يزيد وقد جاء فيها بعد البسملة: " هذاا ما أوصي به الحسين بن علي الي أخيه محمد بن الحنفية، ان الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وان الجنة حق، والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور. واني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي (ص) أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولي بالحق، ومن رد علي اصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين. " وهذه وصيتي إليك يا أخي، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب " [1] .

من أجل هذه الاهداف النبيلة فجر الامام ثورته الخالدة فهو لم يخرج اشرا ولا بطرا، ولم يبغ أي مصلحة مادية له أو لاسرته، وانما خرج علي حكم الظلم والطغيان، يريد أن يقيم صروح العدل بين الناس، وما أروع قوله: " فمن قبلني بقبول الحق فالله أولي بالحق، ومن رد علي أصبر حتي يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين ". لقد حدود الامام خروجه بانه كان من أجل احقاق الحق واماتة الباطل


ودعا الامة باسم الحق الي الالتفات حوله لتحمي حقوقها وتصون كرامتها وعزتها التي انهارت علي أيدي الاموين، واذا لم تستجب لنصرته فسيواصل وحده مسيرته النضالية بصبر وثبات في مناجزء الظالمين والمعتدين حتي يحكم الله بينه وبينهم بالحق وهو خير الحاكمين... كما حدد الامام خروجه بانه يريد أن يسير علي منهاج جده وأبيه، وليس علي منهاج أي أحد من الخلفاء. وهذه الوصية من البنود التي نرجع إليها في دراستنا عن اسباب ثورته (ع). وتهيا الامام بعد وصيته لاخيه محمد الي السفر الي مكة ليلتقي بحجاج بيت الله الحرام وغيرهم، ويعرض عليهم الاوضاع الراهنة في البلاد، وما تعانيه الامة من الازمات والاخطار في عهد يزيد. وقبل أن يغادر الامام (ع) يثرب متجها الي مكة دخل مسجد جده الرسول (ص) وهو غارق في الاسي والشجون فالقي عليه نظرة الوداع الاخير، وقد نظر الي محراب جده (ص) ومنبره، فطافت به ذكريات ذلك العطف الذي كان يفيضه عليه جده (ص) حينما كان في غضون الصبا، فلم ينس الحسين في جميع فترات حياته ذلك الحنان الذي اغدقه عليه جده حينما يقول فيه: " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الاسباط... ": وتذكر كيف كان النبي (ص) يفرغ عليه ما انطوت عليه نفسه الكبيرة من المثل العليا التي كان بها خاتم النبين وسيد المرسلين، وأيقن انه لم يكن يشيع ذلك في نفسه بمحض العاطفة بل بشعور آخر هو الابقاء علي رسالته، ومبادئه، وراي انه لا بد أن يقدم التضحية الرهيبة التي تصون


رسالة الاسلام من عبث الناقمين عليه... ويقول المؤرخون: انه دخل المسجد بين أهل بيته، وهو يعتمد في مشيه علي رجلين ويتمثل بقول يزيد بن مفرغ:



لا ذعرت السوام في فلق الصبح

مغيرا ولا دعيت يزيدا



يوم أعطي من المهانة ضيما

والمنايا ترصدنني أن أحيدا [2] .



ويقول أبو سعيد: لما سمعت هذين البيتين قلت في نفسي: انه ما تمثل بهما الا لشئ يريده فما مكث الا قليلا حتي بلغني أنه سار الي مكة [3] لقد صمم علي التضحية والفداء ليغير مجري الحياة، ويرفع كلمة الله وفكرة الخيرر في الارض. أما يثرب مهد النبوة فانه حينما اذيع فيها مغادرة الحسين عنها علتها الكابة وخيم علي أهلها الحزن والذعر فقد أيقنوا بالخسارة الفادحة التي ستحل بهم، فسيغيب عنهم قبس من نور الرسالة الذي كان يضئ لهم الحياة، وحزنت البقية الباقية من صحابة النبي (ص) كاعظم ما يكون الحزن، فقد كانوا يرون في الحسين امتدادا لجده الرسول (ص) الذي انقذهم من حياة التيه في الصحراء.



پاورقي

[1] الفتوح 5 / 33 مقتل الخوارزمي 1 / 188.

[2] تاريخ ابن الاثير 3 / 265.

[3] تاريخ ابن عساکر 4 / 329، تاريخ الطبري.