بازگشت

استدعاء الحسين


وأرسل الوليد في منتصف الليل [1] عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث خلف الحسين وابن الزبير، وانما بعثه في هذا الوقت لعله يحصل علي الوفاق من الحسين ولو سرا علي البيعة ليزيد، وهو يعلم انه اذا اعطاه ذلك فلن يخيس بعهده، ولن يتخلف عن قوله. ومضي الفني يدعو الحسين وابن الزبير للحضور عند الوليد فوجدهما في مسجد النبي (ص) فدعاهما إلي ذلك فاستجابا له، وأمراه بالانصراف وذعر ابن الزبير، فقال للامام: - ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟ - أظن أن طاغيتهم - يعني معاوية - قد هلك فبعث إلينا بالبيعة قبل أن يفشو بالناس الخبر. - وأنا ما أظن غيره فما تريد أن تصنع؟ - اجمع فتياني الساعة، ثم اسير إليه، واجلسهم علي الباب. - إني اخاف عليك اذا دخلت. - لا آتيه إلا وأنا قادر علي الامتناع [2] .


وانصرف أبي الضيم الي منزله فاغتسل، وصلي ودعا الله [3] وأمر أهل بيته بلبس السلاح والخروج معه، فخفوا محدقين به، فامرهم بالجلوس علي باب الدار، وقال لهم: اني داخل فاذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوني علي باجمعكم، ودخل الامام علي الوليد فراي مروان عنده وكانت بينهما قطيعة فامرهما الامام بالتقارب والاصلاح، وترك الاحقاد، وكانت سجية الامام (ع) التي طبع عليها الاصلاح حتي مع أعدائه وخصومه، فقال (ع) لهما: " الصلة خير من القطيعة، والصلح خير من الفساد، وقد آن لكما أن تجتمعا، اصلح الله ذا بينكما. " [4] ولم يجيباه بشئ فقد علاهما صمت رهيب، والتفت الامام إلي الوليد فقال له: هل اتاك من معاوية خير؟ فانه كان عليلا وقد طالت علته، فكيف حاله الان؟ فقال الوليد بصوت خافت حزين النبرات: " آجرك الله في معاوية فقد كان لك عم صدوق، وقد ذاق الموت وهذا كناب أمير المؤمنين يزيد... ". فاسترجع الحسين، وقال له: " لماذا دعوتني؟ ". " دعوتك للبيعة " [5] .

فقال (ع): إن مثلي لا يبايع سرا، ولا يجنزئ بها مني سرا، فاذا خرجت الي الناس ودعتهم للبيعة، دعوتنا معهم كان الامر واحدا.


لقد طلب الامام تاجيل الامر الي الصباح، حني يعقد اجتماع جماهيري فيدلي برايه في شحب البيعة ليزيد، ويستنهض همم المسلمين علي الثورة والاطاحة بحكمه، وكان الوليد - فيما يقول المؤرخون - بحب العافية ويكره الفتنة فشكر الامام علي مقالته، وسمح له بالانصراف الي داره، وانبري الوغد الخبيث مروان بن الحكم وهو مغيظ محنق فصاح بالوليد " " لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه علي مثلها أبدا حتي تكثر القتلي بينكم وبينه، احبسه فان بايع والا ضربت عنقه ". ووثب أبي الضيم الي الوزغ ابن الوزغ فقال له: " يابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت " [6] .

وأقبل علي الوليد فاخبره عن عزمه وتصميمه علي رفض البيعة ليزيد قائلا: " أيها الامير إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومحل الرحمة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر، وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة " [7] .

وكان هذا اول اعلان له علي الصعيد الرسمي - بعد هلاك معاوية - في رفض البيعة ليزيد، وقد أعلن ذلك في بيت الامارة ورواق السلطة بدون مبالاة ولا خوف ولا ذعر. لقد جاء تصريحه بالرفض لبيعة يزيد معبرا عن تصميمه، وتوطين نفسه حتي النهاية علي التضحية عن سمو مبدئه، وشرف عقيدته، فهو بحكم مواريثه الروحية ك، وبحكم بيته الذي كان ملتقي لجميع الكمالات الانسانية


كيف ييايع يزيد الذي هو من عناصر الفسق والفجور، ولو اقره اماما علي المسلمين لساق الحياة الاسلامية الي الانهيار والدمار وعصف بالعقيدة الدينية في متاهات سحيقة من مجاهل هذه الحياة. وكانت كلمة الحق الصارخة التي أعلنها ابو الاحرار قد احدثت استياء في نفس مروان فاندفع يعنف الوليد ويلومه علي اطلاق سراحه قائلا: " عصيتني! لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا ". وتاثر الوليد من منطق الامام، وتيقظ ضميره فاندفع يرد أباطيل مروان قائلا: " ويحك!! انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي، والله ما أحب أن أملك الدنيا باسرها، واني قتلت حسينا: سبحان الله!! اأقتل حسينا ان قال: لا ابايع، والله ما اظن احدا يلقي الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولا يزكيه وله عذاب اليم " وسخر منه مروان وطفق يقول: " اذا كان هذا رايك فقد اصبت!! " [8] .

وعزم الحسين علي مغادرة يثرب والتوجه الي مكة ليلوذ بالبيت الحرام ويكون بمامن من شرور الامويين واعتدائهم.


پاورقي

[1] البداية والنهاية 8 / 160.

[2] تاريخ ابن الاثير 3 / 264.

[3] الدر النظيم (ص 162).

[4] تاريخ ابن الاثير 3 / 264.

[5] الفتوح 5 / 17.

[6] تاريخ ابن الاثير 3 / 264.

[7] الفتوح 5 / 18.

[8] الطبري.