بازگشت

وصاياه


ولما ثقل حال معاوية عهد بوصيته إلي يزيد، وقد جاء فيها " يا بني اني قد كفيتك الشر والترحال، ووطات لك الامور، وذلك لك الاعداء واخضعت لك رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد فانظر أهل الحجاز فانهم أصلك، واكرم من قدم عليك منهم، وتعاهد من غاب، وانظر أهل العراق فان سالوك أن تعزل كل يوم عاملا فافعل فان عزل عامل


أيسر من أن يشهر عليك مائة الف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وعيبتك، فان رابك من عدوك شئ فانتصر بهم فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام الي بلادهم فان أقاموا بغير بلادهم تغيرت اخلاقهم.. واني لست اخاف عليك أن ينازعك في هذا الامر الا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن ابن أبي بكر، فاما ابن عمر فانه رجل قد وقذته العبادة، فاذا لم يبق احد غيره بايعك واما الحسين بن علي فهو رجل خفيف، ولن يترك أهل العراق حتي يخرجوه، فان خرج وظفرت به فاصفح عنه فان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد، وأما ابن ابي بكر فان راي اصحابه صنعوا شيئا صنع مثله ليس له همة الا في النساء واللهو، واما الذي بجثم لك جثوم الاسد، ويراوغك مراوغة الثعلب فان أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير فان هو فعلها بك فظفرت به فقطعه اربا اربا واحقن دماء قومك ما استطعت... " [1] .

واكبر الظن ان هذه الوصية من الموضوعات فقد افتعلت لاثبات حلم معاوية وانه عهد الي ولده بالاحسان الشامل الي المسلمين وهو غير مسؤول عن تصرفاته... ومما يؤيد وضعها ما يلي: 1 - ان المؤرخين رووا أن معاوية أوصي يزيد بغير ذلك فقال له: ان لك من أهل المدينة يوما فان فعلوها فارمهم بمسلم بن عقبة فانه رجل قد عرفنا نصيحته [2] وكان مسلم بن عقبة جزارا جلادا لا يعرف الرحمة والرافة، وقد استعمله يزيد بعهد من أبيه في واقعة الحرة فاقترف كل موبقة


واثم، فكيف تلتقي هذه الوصيذة بتلك الوصية التي عهد فيها بالاحسان الي أهل الحجاز. 2 - انه اوصاه برعاية عواطف العراقيين، والاستجابة لهم اذا سالوه في كل يوم عزل من ولاه عليهم، وهذا يتنافي مع ما ذكره المؤرخون انه عهد بولاية العراق الي عبيد الله بن زياد، وهو يعلم شدته وصرامته وغدره، فهو ابن زياد الذي أغرق العراق بدماء الابرياء فهل العهد إليه بولايته العراق من الاحسان الي العراقيين والبر بهم؟!! 3 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الله بن عمر وقد وصفه بانه قد وقذته العبادة، واذا كان كذلك فهو بطبيعة الحال منصرف عن السلطة والمنازعات السياسية فما معني التخوف منه؟!! 4 - انه جاء في هذه الوصية انه يتخوف عليه من عبد الرحمن بن أبي بكر، وقد نص المؤرخون انه توفي في حياة معاوية، فما معني التخوف عليه من انسان ميت؟ 5 - انه أوصاه برعاية الحسين (ع) وان له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من رسول الله (ص) ومن المؤكد ان معاوية بالذات لم يرع أي جانب من جوانب القرابة من رسول الله، فقد قطع جميع أواصرها فقد فرض سبها علي رؤوس الاشهاد، وعهد إلي لجان التربية والتعليم بتربية النشئ ببغض أهل البيت، ولم يتردد في ارتكاب أي وسيلة للحط من شانهم، وقد علق الاستاذ عبد الهادي المختار علي هذه الفقرات من الوصية بقوله: " وتقول بعض المصادر ان معاوية أوصي ولده يزيد برعاية الحسين والذي نعتقده أنه لا أثر لها من الصحة، فان معاوية لم يتردد في اغتيال


الامام الحسن حتي بعد ما بايعه، فكيف يوصي ولده بالعفو عن الحسين ان ظفر به. لم يكن معاوية بالذي يرعي لرسول الله (ص) حرمة أو قرابة حتي يوصي ابنه برعاية آل محمد، كلا ابدا فقد حارب الرسول في الجاهلية حتي أسلم كرها يوم فتح مكة، ثم حارب صهر الرسول وخليفته وابن عمه عليا، ونزا علي خلافة المسلمين، وانتزعها قهرا، وسم ابن بنت الرسول الحسن، فهل يصدق بعد هذا كله أن يوصي بمثل ما أوصي به. قد يكون أوصاه أن يغتاله سرا ويدس له السم، أو يبعث له من يطعنه بليل - ربما كان هذا الفرض اقرب الي الصحة من تلك الوصية - ولكن المؤرخون سامحهم الله أرادوا أن يبرؤا ساحة الاب، ويلقوا جميع التبعات علي الابن وهما في الحقيقة غرس اثم واحد وثمرة جريمة واحدة وأضاف يقول: ولو ان الوصية المزعومة كانت صحيحة لما كان يزيد لاهم له بعد موت أبيه الا تحصيل البيعة من الحسين وتشديده علي عامله بالمدينة بلزوم اجبار الحسين علي البيعة. " [3] .


پاورقي

[1] تاريخ ابن الاثير 3 / 259.

[2] تاريخ خليفة خياط 1 / 229.

[3] مجلة الغري السنة الثامنة العدد 9 و 10.