بازگشت

جواب الامام


ورفع الامام إلي معاوية مذكرة خطيرة كانت جوبا لرسالته حمله مسؤوليات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء، وفقدان الامن، وتعريض الامة للازمات، وهي من أروع الوثائق الرسمية التي حفلت بذكر الاحداث التي صدرت من معاوية وهذا نصها: " أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور أنت عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالي. أما ما ذكرت أنه رقي إليك عني، فانه انما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون. ما أردت لك حربا، ولا عليك خلافا، واني لاخشي الله في ترك ذلك منك، ومن الاعذار فيه إليك وإلي اوليائك القاسطين حزب الظلمة. ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة واصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ويامرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا، من بعد ما أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، جراءة علي الله واستخفافا بعهده. أو لست قاتل عمرو بن الحمق الخزاعي صاحب رسول الله (ص) العبد الصالح الذي ابلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته بعد ما أمنته واعطيته ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال. أولست بمدعي زياد بن سمية المولود علي فراش عبيد ثقيف، فزعمت أن ابن أبيك، وقد قال رسول الله (ص): الولد للفراش وللعاهر الحجر


فتركت سنة رسول الله (ص) تعمدا وتبعت بغير هدي من الله ثم سلطته علي أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم، ويسمل أعينهم، ويصلبهم علي جذوع النخل، كانك لست من هذه الامة وليسوا منك. أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه إليك زياد أنه علي دين علي كرم الله وجهه فكتب إليه أن اقتل كل من كان علي دين علي، فقتلهم، ومثل بهم بامرك، ودين علي هو دين ابن عمه (ص) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رجلة الشتاء والصيف. وقلت: فيما قلت: انظر لنفسك ودينك ولامة محمد (ص) واتق شق عصا هذه الامة، وان تردهم الي فتنة، واني لا اعلم فتنة أعظم علي هذه الامة من ولايتك عليها، ولا اعظم لنفسي ولديني ولامة محمد (ص) أفضل من ان أجاهرك، فان فعلت فانه قربة إلي الله، وان تركته فاني استغفر الله لديني، واساله توفيقه لارشاد أمري. وقلت: فيما قلت: إنني إن انكرتك تنكرني، وإن اكدك تكدني فكدني ما بدا لك وفاني أرجو أن لا يضرني كيدك، وان لا يكون علي أحد أضر منه علي نفسك، لانك قد ركبت جهلك وتحرصت علي نقض عهدك. ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا، ولم تفعل ذلك بهم الا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا، مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل يفعلوا، أو ماتوا قبل أن يدركوا.


فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن الله تعالي كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها. وليس الله بناس لاخذك بالظنة وقتلك أولياءه علي التهم، ونفيك اياهم من دورهم الي دار الغربة واخذك الناس ببيعة ابنك الغلام الحدث يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب ما أراك الا قد خسرت نفسك، وتبرت دينك [1] وغششت رعيتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل واخفت الورع التقي والسلام " [2] .

لا اكاد أعرف وثيقة سياسة في ذلك العهد عرضت لعبث السلطة وسجلت الجرائم التي ارتكبها معاوية، والدماء التي سفكها، والنفوس التي أرعبها غير هذه الوثيقة، وهي صرخة في وجه الظلم والاستبداد " والله كم هي هذه الكلمة رقيقة شاعرة (كانك لست من هذه الامة وليسوا منك) هذه الكلمة المشبعة بالشعور القومي الشريف وقديما قال الصابي، " إن الرجل من قوم ليست له أعصاب تقسو عليهم " وهو اتهام من الحسين لمعاوية في وطنيته وفوميته، واتخذ من الدماء الغزيرة المسفوكة عنوانا علي ذلك " [3] .

لقد حفلت هذه المذكرة بالاحداث الخطيرة التي اقترفها معاوية وعماله خصوصا زياد بن سمية الذي نشر الارهاب والظلم بين الناس فقتل علي الظنة والتهمة، واعدم كل من كان علي دين الامام امير المؤمنين الذي هو دين ابن عمه رسول الله (ص) وقد اسرف هذا الطاغية في سفك الدماء بغير حق، ومن الطبيعي انه لم يقترف ذلك الا بايعاز من معاوية فهو الذي عهد إليه بذلك:



پاورقي

[1] تبرت: اهلکت دينک.

[2] الامامة والسياسة 1 / 284، رجال الکشي (ص 32) الدرجات الرفيعة (ص 334).

[3] الامام الحسين (ص 338).