بازگشت

دعوة المغيرة لبيعة يزيد


وأول من تصدي لهذه البيعة المشومة اعور ثقيف المغيرة بن شعبة صاحب الاحداث والموبقات في الاسلام [1] وقد وصفه بركلمان بانه رجل انتهازي لاذمة له ولا ذمام [2] وهو احد دهاة العرب الخمسة [3] وقد قضي حياته في التامر علي الامة، والسعي وراء مصالحه الخاصة. اما السبب في دعوته لبيعة يزيد - فيما يرويه المؤرخون - فهو ان معاوية اراد عزله من الكوفة ليولي عليها سعيد بن العاص [4] فلما بلغه ذلك سافر الي دمشق ليقدم استقالته من منصبه حتي لا تكون حزازة عليه في عزله، واطال التفكير في امره فراي ان خير وسيلة لاقراره في منصبه


أن يجتمع بيزيد فيحبذ له الخلافة حتي يتوسط في شانه الي أبيه والتقي الماكر بيزيد فابدي له الاكبار، واظهر له الحب، وقال له: قد ذهب اعيان محمد (ص) وكبراء قريش وذوو اسنانهم، وانما بقي ابناؤهم، وانت من افضلهم واحسنهم رايا، واعلمهم بالسنة والسياسة، ولا ادري ما يمنع امير المؤمنين ان يعقد لك البيعة؟.. ". وغزت هذه الكلمات قلب يزيد فشكره واثني علي عواطفه، وقال له: - أتري ذلك يتم؟ - نعم. وانطلق يزيد مسرعا الي أبيه فاخبره بمقالة المغيرة، فسر معاوية بذلك وارسل خلفه، فلما مثل عنده أخذ يحفزه علي المبادرة في أخذ البيعة ليزيد قائلا: " يا امير المؤمنين قد رايت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له، فان حدث بك حدث كان كهفا للناس، وخلفا منك، ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة. واصابت هذه الكلمات الوتر الحساس في قلب معاوية فراح يخادعه مستشيرا في الامر قائلا: - من لي بهذا؟ - اكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالف. واستحسن معاوية رايه فشكره عليه واقره علي منصبه وأمره بالمبادرة الي الكوفة لتحقيق غايته، ولما خرج من عند معاوية قال لحاشيته: " لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية علي أمة محمد (ص)


وفتقت عليه فتقا لا يرتق ثم تمثل بقول الشاعر:



بمثلي شاهد النجوي وغالي

بي الاعداء والخصم الغضابا



ففي سبيل المغنم فتق المغيرة علي أمة محمد (ص) فتقا لا يرتق، واخلدلها الكوارث والخطوب. وسار المغيرة الي الكوفة، وهو يحمل الشر والدمار لاهلها ولعموم المسلمين، وفور وصوله عقد اجتماعا ضم عملاء الامويين فعرض عليهم بيعة يزيد فاجابوه الي ذلك، وأوفد جماعة منهم الي دمشق وجعل عليهم ولده أبا موسي، فلما انتهوا الي معاوية حفزوه علي عقد البيعة ليزيد، فشكرهم علي ذلك وأوصاهم بالكتمان، والتفت الي ابن المغيرة فقال له: - بكم اشتري ابوك من هؤلاء دينهم؟ - بثلاثين الف درهم. فضحك معاوية وقال ساخرا: لقد هان عليهم دينهم. ثم اوصلهم بثلاثين الف درهم [5] لقد استجاب لهذه البيعة ورضي بها كل من يحمل ضميرا قلقا عرضه للبيع والشراء.


پاورقي

[1] من موبقات المغيرة انه اول من رشي في الاسلام کما يروي البيهقي کما انه کان الوسيط في استلحاق زياد بمعاوية.

[2] تاريخ الشعوب الاسلامية 1 / 145.

[3] الطبري.

[4] الامامة والسياسة 2 / 262.

[5] تاريخ ابن الاثير 3 / 249.