بازگشت

بغضه للانصار


وكان يزيد يبغض الانصار بغضا عارما لانهم ناصروا النبي (ص) وقاتلوا قريشا، وحصدوا رؤوس اعلامهم، كما كانوا يبغضون بني أمية فقد قتل عثمان بين ظهرانيهم ولم يدافعوا عنه، ثم بايعوا عليا، وذهبوا معه الي صفين لحرب معاوية، ولما استشهد الامام كانوا من أهم العناصر المعادية لمعاوية، وكان يزيد يتميز من الغيظ عليهم وطلب من كعب بن جعيل التغلبي أن يهجوهم فامتنع وقال له: " اردتني الي الاشراك بعد الايمان، لا اهجو قوما نصروا رسول الله (ص) ولكن ادلك علي غلام منا نصراني كان لسانه لسان ثور - يعني الاخطل - " فدعا يزيد الاخطل، طلب منه هجاء الانصار فاجابه الي ذلك، وهجاهم بهذه الابيات المقذعة:



لعن الاله من اليهود عصابة

ما بين صليصل وبين صرار [1] .



قوم اذا هدر القصير رايتهم

حمرا عيونهم من المسطار [2] .



خلوا المكارم لستم من اهلها

وخذوا مساحيكم بني النجار



ان الفوارس يعلمون ظهوركم

اولاد كل مقبح اكاز [3] .



ذهبت قريش بالمكارم كلها

واللؤم تحت عمائم الانصار [4] .




لقد ابتدا الاخطل هجاءه للانصار بذم اليهود وقرن بينهم وبين الانصار لانهم يساكنونهم في يثرب، وقد عاب علي الانصار بانهم اهل زرع وفلاحة وانهم ليسوا أهل مجد ولا مكارم واتهمهم بالجبن عند اللقاء، ونسب الشرف والمجد الي القرشيين واللؤم كله تحت عمائهم الانصار، وقد أثار هذا الهجاء المر حفيظة النعمان بن بشير الذي هو احد عملاء الامويين، فانبري غضبانا الي معاوية فلما مثل عنده حسر عمامته عن راسه وقال: " يا معاوية أتري لؤما؟. " " لا بل اري خيرا وكرما، فما ذاك؟!! " " زعم الاخطل أن اللؤم تحت عمائمنا!! " واندفع النعمان يستجلب عطف معاوية قائلا



معاوي الا تعطنا الحق تعترف

لحق الازد مسدولا عليها العمائم



أيشتمنا عبد الاراقم ضلة

فما ذا الذي تجدي عليك الاراقم



فمالي ثار دون قطع لسانه

فدونك من ترضيه عنه الدراهم [5] .



قال معاوية: - ما حاجتك؟ - لسانه - ذلك لك وبلغ الخبر الاخطل فاسرع الي يزيد مستجيرا به وقال له: هذا الذي كنت اخافه فطمانه يزيد وذهب الي أبيه، فاخبره بانه قد اجاره، فقال معاوية: لا سبيل الي ذمة أبي خالد - يعني يزيدا - فعفي عنه، وجعل الاخطل يفخر برعاية يزيد له، ويشمت بالنعمان بقوله:




أبا خالد دافعت عني عظيمة

وادركت لحمي قبل أن يتبددا



واطفات عني نار نعمان بعدما

أغذ لامر عاجز وتجردا



ولما راي النعمان دوني ابن حرة

طوي الكشح اذ لم يستطعني وعردا [6] .



هذه بعض نزعات يزيد واتجاهاته، وقد كشفت عن مسخه وتمرسه في الجريمة وتجرده من كل خلق قويم.. وان من مهازل الزمن وعثرات الايام ان يكون هذا الخليع حاكما علي المسلمين واماما لهم.


پاورقي

[1] صليصل وصرار: من الاماکن القريبة للمدينة.

[2] المسطار: الخمر الصارعة لشاربها.

[3] اکاز: الحراث.

[4] طبقات الشعراء (ص 392).

[5] العقد الفريد 5 / 321 - 322.

[6] ديوان الاخطل (ص 89).