بازگشت

اغتيال الامام


واطل علي المسلمين شهر رمضان الذي أنزل فيه القران، وقد كان الامام علي يقين بانتقاله الي حظيرة القدس في بحر هذا الشهر العظيم، فكان يجهد نفسه ويرهقها علي ان يفطر علي خبز الشعير وجريش الملح، وان لا يزيد علي ثلاث لقم حسب ما يقوله المؤرخون، وكان يحيي ليالي هذا الشهر بالعبادة، ولما اقبلت ليلة الثامن عشر احسن الامام بنزول الرزء القاصم


فكان برما تساوره الهموم والاحزان، وجعل يتامل في الكواكب وهي مرتعشة الضوء كانها ترسل أشعة حزنها إلي الارض، وطفق يقول: " ما كذبت ولا كذبت انها الليلة التي وعدت فيها ". وأنفق الامام ليله ساهرا، وقد راودته ذكريات جهاده وعظيم عنائه في الاسلام، وزاد وجيبه وشوقه لملاقاة ابن عمه رسول الله (ص) ليشكو إليه ما عاناه من أمته من الاود. وتوجه الامام بمشاعره وعواطفه الي الله يطلب منه الفوز والرضوان وقبل أن تشرق أنوار ذلك الفجر الذي دام في ظلامه علي البؤساء والمحرومين انطلق الامام فاسبغ الوضوء، وتهيا الي الخروج من البيت، فصاحت في وجهه وز كانها صاحب ملتاعة حزينة تنذر بالخطر العظيم الذي سيدهم أرض العرب والمسلمين، وتنبا الامام من لوعتهن بنزول القضاء، فقال: " لا حول ولا قوة إلا بالله صوائح تتبعها نوائح " [1] .

وخرج الامام الي بيت الله فجعل يوقظ الناس علي عادته الي عبادة الله ثم شرع في صلاته وبينما هو ماثل بين يدي الله وذكره علي شفيته إذ هوي عليه المجرم الخبيث عبد الرحمن بن ملجم، وهو يهتف بشعار الخوارج " الحكم لله لا لك " فعلا راس الامام بالسيف فقد جبهته الشريفة التي طالما عفرها بالسجود لله، وانتهت الضربة الغادرة الي. دماغه المقدس الذي ما فكر فيه إلا في سعادة الناس، وجمعهم علي صعيد الحق. ولما أحس الامام بلذع السيف انفرجت شفتاه عن ابتسامة، وانطلق صوته يدوي في رحاب الجامع قائلا: " فزت ورب الكعبة ". لقد كنت - يا أمير المؤمنين - أول الفائزين، وأعظم الرابحين


بمرضاة الله، فقد سايرت الحق منذ نعومة اظفارك، فلم تداهن في دينك ولم تؤثر رضا احد علي طاعة الله، قد جاهدت وناضلت من أجل أن تعلو كلمة الله في الارض، ووقيت رسول الله (ص) بنفسك ومهجتك. لقد فزت، وانتصرت مبادؤك، وبقيت انت وحدك حديث الدهر بما تركته من سيرة مشرقة اضاءت سماء الدنيا، وغذت الاجيال بجوهر الحق والعدل. وخف الناس مسرعين الي الجامع حينما اذيع مقتل الامام فوجدوه طريحا في محرابه وهو يلهج بذكر الله، قد نزف دمه، ثم حمل الي داره والناس تعج بالبكاء وهم يهتفون بذوب الروح. قتل الامام الحق والعدل. قتل ابو الضعفاء واخو الغرباء. واستقبلته عائلته بالصراخ، فامرهن (ع) بالخلود الي الصبر، وغرق الامام الحسن بالبكاء فالتفت إليه الامام قائلا: " يا بني لا تبك فانت تقتل بالسم، ويقتل اخوك الحسين بالسيف. " وتحقق تنبؤ الامام فلم تمض حفنة من السنين واذا بالحسن اغتاله معاوية بالسم، فذابت احشاؤه، واما الحسين فتناهب جسمه السيوف والرماح، وتقطعت أوصاله علي صعيد كربلاء. ويقول المؤرخون ان الامام الحسين لم يكن حاظرا بالكوفة حينما اغتيل أبوه وانما كان في معسكر النخيلة قائدا لفرقة من الجيش الذي اعده الامام لمناجزة معاوية، وقد ارسل إليه الامام الحسن رسولا يعرفه بما جري علي ابيه، فقفل راجعا الي الكوفة، وهو غارق بالاسي والشجون، فوجد أباه علي حافة الموت فالقي بنفسه عليه يوسعه تقبيلا ودموعه تتبلور علي خديه.


واخذ الامام العظيم يوصي اولاده بالمثل الكريمة والقيم الانسانية، وعهد إليهم أن لا يقتلوا غير قاتله، وان لا يتخذوا من قتله سببا لاثارة الفتنة واراقة الدماء بين المسلمين كما فعل بنو أمية حينما قتل عميدهم عثمان الي الرفيق الاعلي: واخذ الامام يعاني الام الاحتضار وهو يتلو آيات الذكر الحكيم، وكان آخر ما نطق به قوله تعالي: " لمثل هذا فليعمل العاملون " ثم فاضت روحه الزكية، تحفها ملائكة الرحمن، فمادت اركان العدل في الارض، وانطمست معالم الدين لقد مات ملاذ المنكوبين والمحرومين الذي جهد نفسه أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة تكتسح الاثرة والاستغلال، وتقيم العدل والحق بين الناس. وقام سبطا رسول الله (ص) بتجهيز ابيهما فغسلا جسده الطاهر وادرجاه في اكفانه، وفي الهزيع الاخير من الليل حملوه الي مقره الاخير فدفنوه في النجف الاشرف، وقد واروا معه العدالة الاجتماعية، والقيم الانسانية ويقول المؤرخون ان معاوية لما وافاه النباء بمقتل الامام فرح، واتخذ يوم قتله عيدا رسميا في دمشق فقد تمت بوارق اماله، وتم له اتخاذ الملك وسيلة لاستعباد المسلمين وارغامهم علي ما يكرهون.


پاورقي

[1] مروج الذهب 2 / 291.