بازگشت

دعاء الامام علي نفسه


وطاقت بالامام موجات رهيبة ومذهلة من الاحداث والازمات فهو يري باطل معاوية قد استحكم، وأمره قد تم، ويري نفسه في ارباض الكوفة قد احتوشته ذئاب العرب الذين كرهوا عدله، ونقموا عليه مساواته وعملوا جاهدين علي الحيلولة بينه وبين تحقيق آماله من القضاء علي الاثرة والاستعلاء والطغيان. والشئ الوحيد الذي أقض مضجع الامام هو تمزق جيشه، وتفلل جميع وحداته، فقد أصبح بمعزل عن جميع السلطات، وقد نظر (ع) الي المصير المؤلم الذي سيلاقونه من بعده فقال: " أما انكم ستلقون بعدي ذلا شاملا، سيفا قاطعا، واثرة يتخذها الظالمون فيكم سنة، فيفرق جماعتكم، ويبكي عيونكم، يدخل الفقر بيوتكم وتتمنون عن قليل انكم رايتموني فنصرتموني، فستعلمون حق ما أقول لكم، ولا يبعد الله إلا من ظلم وأثم... " [1] .

ولم يجد نصح الامام معهم شيئا فقد تمادوا في الغي، وعادت لهم جاهليتهم الرعناء. وقد سئم الامام منهم وراح يتمني مفارقة حياته فكان كثيرا ما يقول


في خطبة: " متي يبعث أشقاها " واخذ يلح بالدعاء، ويتوسل الي الله بقلب منيب أن يريحه منهم فقد روي البلاذري عن أبي صالح قال شهدت عليا، وقد وضع المصحف علي راسه حتي سمعت تقعقع الورق وهو يقول: " اللهم إني سالتهم ما فيه فمنعوني ذلك، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وابغضتهم وابغضوني، وحملوني علي غير خلقي، وعلي اخلاق لم تكن تعرف لي، فابدلني خيرا لي منهم، وابدلهم بي شرا، ومث قلوبهم ميث الملح.. " [2] .

واستجاب الله دعاء وليه العظيم فنقله بعد قليل الي حضيرة القدس مع النبيين والصديقين واراحه من ذلك المجتمع الذي كره الحق، ونقم علي العدل، وقد سلط الله عليهم ارجاس البشرية فاخذوا يمنعون في ظلمهم واذلالهم، فياخذون البرئ بالسقيم، والمقبل بالمدبر، ويقتلون علي الظنة والتهمة، فاستيقظوا عند ذلك، واخذوا يندمون أشد الندم علي ما اقترفوه من الاثم تجاه الامام وما فرطوا به من عصيانه وخذلانه. هذه بعض مخلفات تلك الحروب التي امتحن بها الامام كاشد ما يكون الامتحان قسوة وارهاقا ولم يمتحن بها وحده، وانما امتحن بها العالم الاسلامي باسره، فقد اخلدت للمسلمين المشاكل والخطوب والقتهم في شر عظيم. لقد واكب الامام الحسين (ع) هذه الاحداث المفزعة التي جرث علي أبيه، ووقف علي واقعها، وقد استبان له كراهية القوم لابيه لانه لم يداهن في دينه، واراد أن يحمل الناس علي الحق المحض والعدل الخالص، ولا يدع محروما، ولا مظلوما في البلاد. وعلي اي حال فان هذه الحروب قد ساهمت مساهمة ايجابية في خلق كارثة كربلاء التي لم تات الا بعد انهيار الاخلاق، وأماتة الوعي الديني، والاجتماعي، واشاعة الانتهازية والتحلل بين افراد المجتمع، فقد سيطرت


الرأسمالية القرشية علي الشؤون الاجتماعية فاخذت تعيث فسادا في الارض وتنقض جميع ما اقامه الاسلام من صروح للفضيلة والاخلاق، وكان من اسوء ما قامت به انها عملت جاهدة علي اشاعة العداء والكراهية لاهل البيت (ع) الذين هم مصدر الوعي والاحساس في هذه الامة. فقد عمدت بشكل سافر الي تقطيع او صالهم علي صعيد كربلا، وابادتهم ابادة جماعية بصورة رهيبة لم يحدث لها نظير في تاريخ الانسانية.



پاورقي

[1] أنساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 200.

[2] انساب الاشراف ج 1 ق 1.