وبعث معاوية بسر بن أرطاة في ثلاثة آلاف للغارة علي الحجاز واليمن فاتجه نحو يثرب فلم يجد من أهلها أية مقاومة، فصعد المنبر ورفع عقيرته يندب عثمان وينشر الرعب والارهاب بين الناس. وأخذ البيعة من أهلها لمعاوية، ثم سار الي اليمن، وكان عليها عبيد الله ابن عباس عاملا للامام، فهرب منه حتي أتي الكوفة، فاستخلف الامام عليها عبد الله الحارثي فقتله بسر، وقتل ابنه، وعمد الي طفلين لعبيد الله فقتلهما ولما انتهي خبرهما الي امها فقدت وعيها، وراحت ترثيهما بذوب روحها بابياتها المشهورة [1] .

لقد قام سلطان معاوية علي قتل الابرياء، وذبح الاطفال، واشاعة الرعب والفزع في البلاد. ولما انتهت الانباء الاليمة الي الامام خارت قواه، ومزق الاسي قلبه وراح يخطب في جيشه يذكر ما عاناه من الخطوب والكوارث منهم قائلا: " انبئت بسرا قد اطلع اليمن [2] واني والله لاظن ان هؤلاء القوم سيدالون [3] منكم باجتماعهم علي باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم امامكم في الحق وطاعتهم امامهم في الباطل، وبادائهم الامانة الي صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم، وفسادكم، فلو أئتمنت أحدكم علي


قعب [4] لخشيت أن يذهب بعلاقته [5] اللهم اني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني فابدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا مني، اللهم مث في قلوبهم كما يماث الملح في الماء أما والله لوددت ان لي الف فارس من بني فرس ابن غنم: [6] .



هنا لك لو دعوت أتاك منهم

فوارس مثل ارمية الحميم



ثم نزل عن المنبر [7] وهو غارق بالهموم والاحزان قد استولي الياس علي نفسه من أصحابه الذين أصبحوا أعصابا رخوة خالية من الشعور والاحساس هذه بعض الغارات التي شنها معاوية علي العراق وخارجه من الاقاليم الاسلامية الخاضعة لحكم الامام، وكان المقصود منها زعزعة هذه المناطق من ايمانها بمقدرة الامام علي حمايتها من الاعتداء، واذاعة مقدرة معاوية وقوته العسكرية، وتقوية الروح المعنوية في جيشه، وحزبه المنتشر في تلك البلاد. وعلي أي حال فقد صورت هذه الغارات جانبا كبيرا من الضعف والتمرد في جيش الامام، حتي طمع معاوية في شن هجوم عام علي العراق لاحتلاله، والقضاء علي حكومة الامام، ومن المؤكد أنه لو فعل ذلك لوجد الطريق سهلا، ولم يجد أية صعوبة أو مقاومة تذكر، فقد خلد القوم الي الراحة، وسئموا من الجهاد.