بازگشت

احتلال مصر


ولم تقف محنة الامام وبلاؤه عند حد، وانما اخذت تتابع عليه المحن، وهي كاشد ما تكون هولا، فانه لم يكد ينتهي من مناجزة المارقين حتي ابتلي في امر دولته فقد أخذ معاوية يحتل اطرافها، ويغير علي بعضها، ويشيع فيها الخوف والارهاب فقد ايقن بتخاذل جيش الامام، وما مني به من الفرقة والاختلاف، وقد اجمع رايه علي احتلال مصر التي هي قلب البلاد العربية، وقد جعلها طعمة الي وزيره وباني دولته عمرو بن العاص ليتمتع وحده بخيراتها. وكان الامام قد ولي علي مصر الزعيم الكبير قيس بن سعد الانصاري


الذي كان من المع الشخصيات الاسلامية في حسن سياسته وعمق تفكيره وبعد نظره، وقد ساس المصريين أيام المحنة سياسة عدل وحق، وقضي علي الاضطرابات الداخلية، ونشر المحبة والالفة فيها، وقد عزله الامام عنها وولي مكانه الطيب محمد بن أبي بكر، فاضطرب أمر مصر، وظهرت الدعوة العثمانية فيها فعزل الامام محمدا عنها وولي مكانه مالك الاشتر النخعي الذي هو من انصح الناس للامام واكثرهم اخلاصا له الا انه لم يكد ينتهي الي (القلزم) حتي مات واجمع المؤرخون علي ان معاوية قد اغوي صاحب الخراج في (القلزم) فدس إليه سما في شربة من عسل فمات بها، وكان معاوية وصاحبه ابن العاص يتحدثان بعد ذلك، ويقولان: إن لله جنودا من عسل. وجهز معاوية جيشا لاحتلال مصر، وأمر عليه ابن العاص، ولما علم الامام ذلك أقر محمدا علي مصر، ووعده بان يمده بالجيش والمال، واخذ يدعو أهل الكوفة لنجدة اخوانهم في مصر، فلم يستجيبوا له، وجعل الامام يلح عليهم ويطلب منهم النجدة فاستجاب له جند ضئيل كانما يساقون الي الموت فارسلهم الي مصر، ولكنه لم يلبث ان وافته الانباء بان ابن العاص قد احتل مصر، وان عامله محمدا قد قتل وأحرقت جثته في النار، فرد جنده، وخطب أهل الكوفة خطابا مثيرا ندد بهم، ونعي عليهم تخاذلهم وخور عزائمهم. وعلي اي حال فان احتلال مصر قد قوي شوكة معاوية، ودفعه الي ان يغزو اهل العراق في عقر دارهم.