بازگشت

الصراحة والصدق


والشئ البارز في سياسة الامام أمير المؤمنين (ع) هو التزام الصراحة والصدق في جميع شؤونه السياسية فلم يوارب، ولم يخادع، وانما سلك الطريق الواضح الذي لا التواء فيه وسار علي منهاج ابن عمه رسول الله (ص) ولزم سمته وهديه، ومضي علي طريقته، وواكب جميع خطواته، ولو أنه التزم بالاعراف السياسية التي تبيح وسائل الغدر والنفاق في سبيل الوصول إلي الحكم لما آلت الخلافة إلي عثمان، فقد ألح عليه عبد الرحمان بن عوف أن يبايعه شريطة أن يسير علي سيرة الشيخين فامتنع من اجابته وصارحه أنه يسوس الامة علي ضوء كتاب الله الذي وعاه، وعلي ضوء سنة الرسول صلي الله عليه وآله وليس غيرهما رصيد يعتمد عليه في عالم التشريع والسياسة في الاسلامو، ويقول (ع): " لو لا ان المكر والخداع في النار لكنت أمكر الناس ". لقد أبي ضميره الحي المترع بتقوي الله وطاعته ان يخادع أو يمكر في سبيل الوصول إلي الحكم الذي كان من أزهد الناس فيه، وكان كثيرا ما يتنفس الصعداء من الآلام المرهقة التي كان يعانيها من خصومة وهو يقول: " واويلاه، يمكرون بي، ويعلمون أني بمكرهم عالم، واعرف منهم بوجوه المكر، ولكني أعلم ان المكر والخديعة في النار فاصبر علي مكرهم ولا ارتكب مثل ما ارتكبوا... " [1] .


وأنكر علي من قال فيه: إنه لا دراية له بالشؤون السياسية، وان معاوية خبير بها، فقال (ع): " والله ما معاوية بأدهي مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهي الناس " [2] .

وتحدث عليه السلام عن الوسائل المنكرة التي يعتمد عليها بعض الناس في سبيل الوصول إلي أهدافهم من الغدر وما شاكله من المكر والنفاق، وأنكر علي الذين يبررون هذه الوسائل ويصفونها بحسن الحيلة فقال (ع): " ولا يغدر من علم كيف المرجع، ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلي حسن الحيلة، مالهم قاتلهم الله!! قد يري الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين.. ". علي هذا الخلق بني الامام سياسته التي أضاءت في دنيا الاسلام، وكان السبب في خلوده، واعتزاز الانسانية به في جميع الاجيال والآباد. وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض المثل العليا في سياسة الامام، وهي - من دون شك - تنشد الاهداف الاصيلة التي رفع شعارها الاسلام، ولكن لم يفقها ذلك الجيل الذي تعود علي الاثرة، وتعود علي الاستغلال فلذلك لم يكتب لها النجاح.


پاورقي

[1] جامع السعادات 1 / 202.

[2] نهج البلاغة 20 / 206.