بازگشت

التربية والتعليم


ولم يعهد عن أحد من الخلفاء أنه عني بالناحية التربوية أو بشؤون التعليم، كالامام امير المؤمنين وانما عنوا بالشؤون العسكرية، وعمليات الحروب


وتوسيع رقعة الدولة الاسلامية، وبسط نفوذها علي أنحاء العالم، ومن ثم كانت حقول التربية الدينية ضعيفة للغاية الامر الذي أدي إلي انتشار القلق الديني، وقلة الوعي الاسلامي، وكان من نتائجه ظهور الحركات الالحادية والمبادئ الهدامة في العصر الاموي والعباسي، كما كان من نتائجه شيوع الخلاعة والمجون في كثير من انحاء البلاد، أما بيوت الخلفاء والوزراء فكانت من مراكز اللهو والدعارة والتفسخ. وقد أولي الامام أمير المؤمنين (ع) المزيد من اهتمامه بهذه الناحية فاتخذ جامع الكوفة معهدا يلقي فيه محاظراته الدينية والتوجيهية، وكان يشغل أكثر أوقاته بالدعوة إلي الله، واظهار فلسفة التوحيد، وبث الآداب والاخلاق الاسلامية، مستهدفا من ذلك نشر الوعي الديني، وخلق جيل يؤمن بالله ايمانا عقائديا لا تقليديا، وكانت مواعظه تهز أعماق النفوس خوفا ورهبة من الله، وقد تربي في مدرسته جماعة من خيار المسلمين وصلحائهم أمثال حجر بن عدي، وميثم التمار، وكميل بن زياد وغيرهم من رجال التقوي والصلاح في الاسلام. وكانت وصاياه إلي ولديه الحسن والحسين (ع) وسائر تعاليمه من أهم الاسس التربوية في الاسلام، فقد قننت أصول التربية، ووضعت مناهجها علي أسس تجريبية كانت من أثمن ما يملكه المسلمون في هذا المجال. أما التعليم فقد كان الامام (ع) هو المعلم والباعث للروح العلمية، فهو الذي فتق أبواب العلوم في الاسلام كعلم الفلسفة والكلام، والتفسير والفقه والنحو وغيرها من العلوم التي تربو علي ثلاثين علما، وإليه تستند ازدهار الحركة العلمية في العصور الذهبية في الاسلام حسب ما نص عليه المحققون. لقد كان الامام المؤسس الاعلي للعلوم والمعارف في دنيا الاسلام،


وقد بذل جميع جهوده علي اشاعة العلم ونشر الآداب والثقافة بين المسلمين وكان دوما يذيع بين أصحابه قوله: " سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فاني أبصر بها من طرق الارض ". ومن المؤسف والمحزن - حقا - أنهم لم يستغلوا وجود هذا العملاق العظيم، فيسألوا منه عن حقيقة الفضاء والمجرات التي تسبح فيه، وغيرها من أسرار الطبيعة التي استمد معارفها من الرسول الاعظم (ص) لم يسألوا عن أي شئ من ذلك، وانما راحوا يهزؤن، وقد قال بعضهم بسخرية " كم طاقة في رأسي من شعر؟ ". لقد عاش الامام غريبا في وسط ذلك المحيط الجاهل الذي لم يع أي شئ من أهدافه ومثله، ولم يعرف حق قيمته، ولم يثمن عبقرياته ومواهبه. وعلي أي حال فان الامام أقام حكومته علي تطوير الحياة الفكرية والعملية، وبث المعارف والآداب بين جميع الاوساط.