بازگشت

سياسته المالية


أما السياسة المالية التي انتهجها الامام (ع) فانما هي امتداد لسياسة الرسول الاعظم (ص) الذي عني بتطوير الحياة الاقتصادية، وانعاش الحياة العامة في جميع انحاء البلاد بحيث لا يبقي فقير أو بائس أو محتاج، وذلك بتوزيع ثروات الامة توزيعا عادلا علي جميع القطعات الشعبية، أما مظاهر تلك السياسة الاقتصادية الخلافة فهي: 1 - المساواة في التوزيع والعطاء فليس لاحد علي أحد فضل أو امتياز، وانما الجميع علي حد سواء، فلا فضل للمهاجرين علي الانصار ولا لاسرة النبي (ص) وأزواجه علي غيرهم، ولا للعربي علي غيره، وقد طبق الامام (ع) هذه الجهة بصورة دقيقة وشاملة فكان - فيما أجمع عليه المؤرخون - قد ساوي بين المسلمين في العطاء، ولم يميز قوما علي آخرين، فقد وفدت اليه سيدة قرشية من الحجاز طالبة منه الزيادة في عطائها، وقد التقت قبل أن تصل اليه بعجوز فارسية كانت مقيمة في الكوفة فسألتها عن عطائها فاذا به يساوي ما خصص لها، فامسكت بها وجاءت بها اليه، وقد رفعت عقيرتها قائلة: " هل من العدل أن تساوي بيني وبين هذه الامة الفارسية؟!! ". فرمقها الامام بطرفه، وتناول قبضة من التراب، وجعل ينظر اليه ويقلبه بيده وهو يقول:


" لم يكن بعض هذا الترب أفضل من بعض، وتلا قوله تعالي: " إنا خلقناكم من ذكر وانثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ". وقد أثارت هذه العدالة في التوزيع غضب الرأسماليين من القرشيين وغيرهم، فأعلنوا سخطهم علي الامام، وقد خفت اليه جموع من أصحابه تطالبه بالعدول عن سياسته فاجابهم الامام: " أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير وما أم نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف، وانما المال مال الله! ألا وان اعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا، ويضعه في الآخرة ويكرمه في الناس ويهينه عند الله... " [1] .

لقد كان الامام يهدف في سياسته المالية إلي ايجاد مجتمع لا تطغي فيه الرأسمالية، ولا تحدث فيه الازمات الاقتصادية، ولا يواجه المجتمع أي حرمان أو ضيق في حياته المعاشية. لقد أدت هذه السياسة المشرقة المستمدة من واقع الاسلام وهديه إلي اجماع القوي الباغية علي الاسلام أن تعمل جاهدة علي اشاعة الفوضي والاضطراب في البلاد مستهدفة بذلك الاطاحة بحكومة الامام... ويري المدائني أن من اهم الاسباب التي أدت إلي تخاذل العرب عن الامام اتباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضل شريفا علي مشروف - في العطاء - ولا عربيا علي عجمي [2] لقد ورمت آناف اولئك الطغاة من سياسة الامام التي


هدمت الحواجز، وألغت الطبقية وساوت بين جميع أبناء المسلمين لا في العطاء فقط وانما في جميع الحقوق والواجبات. 2 - الانفاق علي تطوير الحياة الاقتصادية وانشاء المشاريع الزراعية والعمل علي زيادة الانتاج الزراعي الذي كان العمود الفقري للاقتصاد العام في تلك العصور، وقد أكد الامام - في عهده لمالك الاشتر - علي رعاية اصلاح الارض قبل أخذ الخراج منها يقول (ع): " وليكن نظرك في عمارة الارض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره الا قليلا... " [3] .

لقد كان أهم ما يعني به الامام في سياسته الاقتصادية زيادة الدخل الفردي، ونشر الرفاهية والرخاء بصورة شاملة في جميع انحاء العالم الاسلامي وقد حفلت رسائله إلي ولاته بالاهتمام في هذه الجهة، فقد أكد عليهم لزوم الانفاق علي تطوير الاقتصاد العام حتي لا يبقي أي شبح للفقر والحرمان في البلاد. 3 - عدم الاستئثار بأي شئ من أموال الدولة، فقد تحرج الامام فيها كأشد ما يكون التحرج، وقد اثبتت المصادر الاسلامية بوادر كثيرة من احتياط البالغ فيها فقد وفد عليه أخوه عقيل طالبا منه أن يمنحه الصلة ويرفه عليه حياته المعاشية فأخبره الامام ان ما في بيت المال للمسلمين، وليس له أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا، واذا منحه شئ فانه يكون مختلسا فلم يفقه عقيل ذلك وأخذ يلح عليه ويجهد في مطالبته فأحمي له الامام (ع) حديدة وأدناها منه وكان ان يحترق من ميسمها، وضج ضجيج ذي


دنف، فلما أفاق أجمع رأيه علي الالتحاق بمعاوية لينعم بصلاته وهباته التي يختلسها من أموال المسلمين. لقد أجمع المؤرخون علي أن الامام قد أجهد نفسه وأرهقها من أمره عسرا فلم ينعم هو ولا أهل بيته من خيرات الدولة، ولم يصطف منها أي شئ، وقد نفر منه ذوو الاطماع، وراح يوصي بعضهم بعضا في الابتعاد عن الامام يقول خالد بن معمر الاوسي لعلباء بن الهيثم: وكان من أصحاب علي: " اتق الله يا علباء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك ماذا تؤمل عند رجل اردته علي ان يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما فأبي وغضب، فلم يفعل... " [4] .

ان الانسانية علي ما جربت من تجارب وبلغت من رقي وابدع في الانظمة الاقتصادية فانها بأي حال لم تستطع أن تنشأ مثل هذا النظام الاقتصادي الذي انتهجه الامام فانه يرتبط بواقع الحياة، ولا يشذ عن سننها، وهو يهدف قبل كل شئ إلي عدالة التوزيع وبسط الرفاهية علي الجميع، والقضاء علي الحاجة والحرمان. وعلي أي حال فان السياسة الاقتصادية الخلافة التي تبناها الامام قد ثقلت علي القوي المنحرفة عن الاسلام فانصرفوا عن الامام وأهل بيته والتحقوا بالمعسكر الاموي الذي يضمن لهم الاستغلال والنهب وسلب قوت الشعب والتلاعب باقتصاد البلاد... وقد كان قادة الجيش الذي خف لحرب ريحانة رسول الله (ص) من ذوي الثروات الطائلة كعمرو بن حريث [5] وشبث بن ربعي وحجاز بن ابجر وغيرهم ممن منحتهم الحكومة


الاموية الثراء العريض فاندفعوا إلي حرب الامام حفظا علي مصالحهم الشخصية وابقاءا علي ثرواتهم التي تكونت بغير وجه مشروع، فقد أيقنوا أن الامام الحسين (ع) اذا استتب له الامر فانه لا يشذ عن منهج أبيه وسياسته، وانهم سيفقدون المنح والهبات التي تغدقها عليهم الحكومة الاموية، وسنذكر ذلك مشفوعا بالتفصيل في البحوث الآتية، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن سياسته المالية.


پاورقي

[1] نهج البلاغة محمد عبده 25 / 10.

[2] شرح ابن أبي الحديد 1 / 180.

[3] نهج البلاغة محمد عبده 3 / 106.

[4] شرح ابن أبي الحديد 10 / 250.

[5] الطبري 1 / 5 / 2600، وجاء فيه ان عمرو بن حريث کان أکثر أهل الکوفة مالا.