بازگشت

متارك حكومة عثمان


وتركت حكومة عثمان كثيرا من المضاعفات السيئة التي امتحن بها المسلمون اشد الامتحان فقد اشعلت نار الفتن في جميع أنحاء البلاد، وجرت للمسلمين الويلات والخطوب، ونتحدث - بايجاز - عن الاحداث الكبري التي مني بها العالم الاسلامي من جراء حكومته وهي: 1 - ان حكومة عثمان قد عمدت إلي التهاون في احترام القانون، وتجميد السلطة القضائية، فان أفراد الاسرة الاموية قد جافوا في كثير من تصرفاتهم وسلوكهم الاحكام الدستورية، وكان موقف عثمان معهم يتسم بالميوعة والتسامح، فلم يتخذ معهم أي اجراء حاسم، وانما كان مسددا لهم ومتأولا لاخطائهم، كما ألمعنا إلي ذلك في البحوث السابقة، وكان من النتائج المباشرة لذلك شيوع الفوضي في السلوك، وفساد الاخلاق والتمرد علي القانون. 2 - ان حكومة عثمان لم تتخذ الحكم وسيلة من وسائل الاصلاح الاجتماعي، وانما اتخذته وسيلة للاثراء والاستغلال، والسيطرة علي الشعوب


مما أهاب بكثير من الفئات أن ينظروا إلي الحكم بما انه مغنم وسبب للتمتع بنعم الدنيا وخيراتها، وقد أدي ذلك إلي تهالك الجماعات والافراد نحو الملك والسلطان فطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم لم يكونوا ينشدون أي هدف انساني أو اجتماعي في تمردهم علي حكومة الامام أمير المؤمنين (ع) وانما كانوا هائمين فيي طلب الامرة والخلافة، واعقب عصيانهم بلبلة الروح الدينية، وزعزعة الايمان في النفوس، وانتشار الاحزاب النفعية التي حالت بين المجتمع الاسلامي وبين حكومة القرآن. 3 - وخلقت حكومة عثمان طبقة ارستقراطية اشاعت الترف والبذخ وتهالكت علي اللذة والمجون، وكان من بينها الاسر القرشية التي غرقت بالاموال وحارت في صرفها في حين ان الاوساط الاجتماعية كانت تعاني الضيق والحرمان مما أدي إلي ثورة المصلح الكبير أبي ذر صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله علي الرأسمالية القرشية التي جمعت بغير وجه مشروع، ومطالبته بتأميمها، وارجاعها إلي الخزينة المركزية لتنفق علي تطوير الحياة الاقتصادية وتنمية الدخل الفردي، واذابة الفقر والحاجة في جميع القطاعات الشعبية، حسب ما يريده الاسلام. 4 - وعملت حكومة عثمان علي احياء العصبية القبلية التي حاربها الاسلام فقد جهد عثمان علي تقوية اسرته، وبسط نفوذها، وحمايتها من القانون، ومنحها جميع أسباب القوة مما ادي إلي تكتل الاسر العربية، وشيوع النعرات الجاهلية من الافتخار بامجاد الاباء والاعتزاز بالانساب، وغير ذلك مما سنذكره في بحوث هذا الكتاب. 5 - تطلع النفعيين إلي الوصول إلي الحكم والاعتماد علي قوة السيف من دون ان يعني بارادة الامة يقول يوليوس فلهوزن: " فمنذ ذلك الحين صار للسيف القول الفصل في أمر رئاسة الحكومة التيوقراطية، وفتح باب


الفتنة، ولم ينسد بعد ذلك أبدا سدا تاما، ولم يمكن ذلك الحين المحافظة علي وحدة ممثلة في شخص امام علي رأس الجماعة إلا في الظاهر علي الاكثر وبالقوة والقهر. فالحقيقة ان الجماعة قد انشقت وتفرقت شيعا وأحزابا كل منها يحاول أن يفرض سلطانه السياسي، وأن يلجأ للسيف تأييدا لامامة علي الامام الحاكم بالفعل... " [1] .

لقد انتشرت الاطماع السياسية، وتهالك النفعيون علي الوصول إلي كرسي الحكم مما ادي إلي اشاعة الفتن والفوضي في جميع انحاء البلاد. 6 - التطبيل بدم عثمان، واتخاذه شعارا للفتنة واراقة الدماء والتمرد علي القانون لا من قبل الامويين فقط وانما من قبل جميع الفئات الطامعة في الحكم كطلحة والزبير وعائشة وغيرهم من الذين ساهموا مساهمة ايجابية في الثورة علي عثمان، وقد اطلت في سبيل هذه الاطماع الرخيصة انهار من الدماء الزكية، وشاع الثكل والحداد في ربوع الوطن الاسلامي. هذه بعض المتارك التي خلفتها حكومة عثمان وهي - من دون شك - قد اثرت تأثيرا عميقا في تطور الاحداث، واتجاه المجتمع نحو الاطماع السياسية، وانتشار الانتهازية والوصولية بشكل فظيع مما ادي إلي الصراع العنيف علي الحكم، وتحول الحكومة الدينية إلي الملكية التي لا تعني بأي حال بأمور الاسلام وتطبيق أهدافه كما باعدت ما بين المسلمين وبين أهل البيت عليهم السلام الذين نص الرسول (ص) علي امامتهم، واوصي الامة باتباعهم، فقد تحطمت بشكل سافر تلك القدسية التي احاطهم بها، واتجهت السلطات التي تلت حكومة الخلفاء إلي تمزيق أوصالهم والتنكيل بهم، ولم ترع فيهم قرابة الرسول (ص) التي هي أحق بالرعاية من كل شئ. بقي هنا شئ وهو ان الامام الحسين (ع) كان في عهد عثمان في


شرخ الشباب، ويقول المؤرخون: انه انضم إلي الجيش الاسلامي الذي اتجه إلي فتح طبرستان سنة (30 ه) وكان علي قيادته سعيد بن العاص فابلي الجيش بلاءا حسنا وفتح الله علي يده ورجع ضافرا [2] ولم تظهر لنا بادرة اخري عن الامام الحسين في تلك الفترة، ولعل السبب يعود - فيما نحسب - إلي ان الاسرة النبوية كانت من الجبهة المعارضة لحكومة عثمان، وقد قامت بدور ايجابي في التنديد بسياسته، وقد صب عثمان جام غضبه علي اصحاب الامام امير المؤمنين كأبي ذر وعمار وابن مسعود فامعن في ظلمهم وارهاقهم وقد شاهد الامام الحسين (ع) تلك الاحداث المفزعة فاضافت إلي نفسه آلاما وعرفته بواقع المجتمع واتجاهاته. وزعم بعض المؤرخين ان الامام الحسن والحسين دافعا عن عثمان حينما أحاط به الثوار وقد دللنا علي عدم صحة ذلك بصورة موضوعية في كتابنا (حياة الامام الحسن) وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة عثمان.



پاورقي

[1] تاريخ الدولة العربية (ص 50 - 51).

[2] الطبري 5 / 57، العبر 2 / 34، ولم يذکر صاحب الفتوحات الاسلامية انضمام الامام الحسين إلي ذلک الجيش.