بازگشت

اعتقاله في الشام


واستمر الصحابي العظيم أبوذر يوالي انكاره علي عثمان يبغي بذلك وجه الله ويلتمس الدار الآخرة لم يخفه الموت ولم تغره الحياة وقد حنق عليه عثمان وأمر بنفيه إلي الشام ويقول المؤرخون: ان عثمان سأل حضار مجلسه فقال لهم: " أيجوز لاحد أن يأخذ من المال فاذا أيسر قضي؟ ". فانبري كعب الاخبار وكان خصيصا بعثمان فافتاه بالجواز وصعب علي أبي ذر أن يتدخل كعب في امور الدين وهو يهودي النزعة، ويشك في اسلامه فصاح به: " يابن اليهوديين أتعلمنا دبننا؟ ".


فثار عثمان واندفع يناصر كعبا فصاح بأبي ذر. " ما أكثر أذاك؟ وولعك باصحابي الحق بمكتبك في الشام. وأمر به فسير إلي الشام فلما انتهي اليها رأي منكرات معاوية وبدعه رآه قد أطلق يديه في بيت المال الذي جمع من جهود الشعب، فجعل ينكر عليه، ويذيع بين المسلمين مساوئ عثمان، وقد أنكر علي معاوية حينما قال: " المال مال الله " فقال له: " المال مال المسلمين " كما أنكر عليه بناءه الخضراء فكان يقول له: " يا معاوية ان كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة، وان كانت من مالك فهذا الاسراف... ". وأخذ يدعو المسلمين إلي اليقظة، والحذر من السياسة الاموية، وكان يقول لاهل الشام: " والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها والله ما هي في كتاب الله، ولا في سنة نبيه، والله إني لاري حقا يطفأ، وباطلا يحيي، وصادقا يكذب واثرة بغير تقي، وصالحا مستأثر عليه " [1] .

وكان الناس يؤمنون بحديثه ويصدقون مقالته، وأخذ يبث الوعي الاجتماعي، ويدعو إلي انصاف المحرومين، ويحرض الفقراء علي استرجاع حقوقهم من الفئة الحاكمة، وخاف الطاغية معاوية ان تندلع نار الثورة عليه فنهي الناس عن الاجتماع به، وخاطبه. " يا عدو الله تؤلب الناس علينا، وتصنع ما تصنع!! فلو كنت قاتلا رجلا من أصحاب محمد من غير اذن امير المؤمنين - يعني عثمان - لقتلتك " فرد عليه البطل العظيم غير حافل بسلطانه قائلا:


" ما أنا بعدو لله، ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان الله ولرسوله اظهرتما الاسلام، وابطنتما الكفر... ". وظل أبوذر يواصل نشاطه الاجتماعي، ودعوته إلي ايقاظ المجتمع ويحفزهم علي الثورة، فالتاع معاوية، وكتب إلي عثمان يخبره بخطره عليه ويلتمس منه أن ينقله عنه، فكتب اليه عثمان ان يرسله علي اغلظ مركب وأوعره حتي يلقي الجهد والعناء، فارسله معاوية مع جلاوزة لا يعرفون مكانته، ولايحترمون مقامه، فلم يسمحوا له أن يستريح من الجهد، ومضوا في سيرهم لا يلون علي شئ حتي تسلخت بواطن فخذه، وكان ان يموت ولما انتهي إلي يثرب دخل علي عثمان وهو منهوك القوي فاستقبله عثمان بالجفوة قائلا: " أنت الذي فعلت وفعلت؟! ". " نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك - يعني معاوية - فاستغشني ". فصاح به عثمان: " كذبت، ولكنك تريد الفتنة، وتحبها، وقد انغلت الشام علينا ". فوجه اليه أبوذر نصيحته قائلا: " اتبع سنة صاحبيك - يعني أبا بكر وعمر - لم يكن لاحد عليك كلام ". فثار عثمان وصاح به. " مالك ولذلك لا ام لك ". فقال ابوذر: " والله ما وجدت لي عذرا إلا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ". وصرخ عثمان فقال لمن في مجلسه:


" أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب أما ان اضربه أو احبسه، أو اقتله فانه فرق جماعة المسلمين او انفيه من ارض الاسلام ". والتاع الامام أمير المؤمنين فراح يندد بعثمان ويقول له: " يا عثمان سمعت رسول الله (ص) يقول: " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة اصدق من ابي ذر ". ولم يحفل أبوذر بعثمان وانما مضي في دعوته يواصل انكاره فكان يقول له: " تستعمل الصبيان، وتحمي الحمي، وتقرب أولاد الطلقاء؟ ". واخذ يذيع بين المسلمين ما سمعه من رسول الله في ذم الامويين ومدي خطرهم علي الاسلام فكان يقول: " قال رسول الله (ص): اذا كملت بنو امية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا.. " [2] .

واصدر عثمان آوامره بمنع مجالسة ابي ذر، وحرم مخالطته والكلام معه لانه يأمر المعروف وينهي عن المنكر، ولم يقره علي سياسته النكراء.


پاورقي

[1] الانساب 5 / 52.

[2] حياة الامام الحسن 1 / 258.