بازگشت

عمار بن ياسر


ومكانة عمار بن ياسر في الاسلام معلومة فهو صاحب النبي (ص) وخليله، لقي في سبيل الاسلام اعظم الجهد، وأقسي البلاء، عذبته قريش مع أبويه أعنف العذاب، استشهد أبواه في سبيل هذا الدين، وقد أشاد القرآن الكريم بفضله فقد نزلت في حقه الآية الكريمة " أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة " [1] وقال تعالي فيه: " أو من


كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس " [2] .

وقد اهتم النبي (ص) في شأن عمار اهتماما فكان موضع عنايته وتبجيله، وقد سمع (ص) شخصا ينال من عمار فتأثر واندفع يقول: " ما لهم ولعمار يدعوهم إلي الجنة، ويدعونه إلي النار، إن عمارا جلدة ما بين عيني وانفي، فاذا بلغ ذلك من الرجل فاجتنبوه " [3] .

ولما انتقل النبي (ص) إلي جنة المأوي كان عمار من ألمع أصحاب الامام أمير المؤمنين، فاختص به ولازمه، وكان من التخلفين عن بيعة أبي بكر، فانه لم ير أحدا أحق بمكانة النبي سوي الامام امير المؤمنين (ع) وبعدما فرض عمر عثمان خليفة علي المسلمين كان عمار من أشد الناقمين عليه، وكان السبب في نقمته عليه ما يلي: 1 - ان عثمان لما استأثر بالسفط الذي في بيت المال وكان يضم الجواهر الثمينة التي لا تثمن بقيمة، أنكر عليه الامام أمير المؤمنين، وأيده عمار فقال له عثمان: أعلي يابن المتكاء [4] تجترئ؟ واوعز إلي شرطته باخذه، فقبضوا عليه، وأدخلوه إلي منزله فضربه ضربا مبرحا حتي غشي عليه، وحمل إلي منزل ام الؤمنين السيدة ام سلمة، ولم يفق من شدة الضرب حتي فاتته صلاة الظهرين والمغرب، فلما أفاق قام فتوضأ وصلي العشاء، وقال: " الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله " وغضبت عائشة فاخرجت شعرا من شعر رسول الله (ص) وثوبا من ثيابه، ونعلا من نعاله، وقالت: " ما اسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا


شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد، وغضب عثمان حتي لا يدري ما يقول: ولا يعرف كيف يعتذر عن خطيئته [5] .

2 - ان اعلام الصحابة رفعوا مذكرة لعثمان ذكروا فيها أحداثه ومخالفاته للسنة، وطالبوه بالكف عنها فاخذها عمار، ودفعها اليه فقرأ صدرا منها عثمان، واندفع نحو عمار فقال له: - أعلي تقدم من بينهم؟ - إني أنصحهم لك. - كذبت يابن سمية. - انا والله ابن سمية وابن ياسر. وامر عثمان جلاوزته فمدوا يديه ورجليه، وضربه عثمان برجليه علي مذاكيره، فاصابه الفتق، وكان ضعيفا فاغمي عليه [6] .

3 - ان عثمان لما نكل بالصحابي العظيم أبي ذر صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله فنفاه إلي الربذة، ومات فيها غريبا، ولما جاء نعيه إلي يثرب حزن عليه المسلمون فقال عثمان مستهزءا: " رحمه الله ". فاندفع عمار ينكر عليه ذلك قائلا: " رحمه الله من كل أنفسنا ". وانتفخت أوداج عثمان، فقابل عمار بافحش القول، وأقساه قائلا: " يا عاض أيرابيه، أتراني ندمت علي تسييره؟ ". وهذا الكلام لا يليق باي رجل عادي فضلا عن عثمان الذين يزعمون ان الملائكة كانت تستحي منه.


وأمر عثمان غلمانه فدفعوا عمارا، وأرهقوه كما امر بنفيه إلي الربذة فلما تهيأ للخروج أقبلت بنو مخزوم إلي الامام امير المؤمنين فسألوه ان يذاكر عثمان في شأنه، فانطلق نحوه الامام، وقال له: " اتق الله، فانك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره؟ ". فثار عثمان وصاح بالامام. - أنت أحق بالنفي منه. - رم ان شئت ذلك. واجتمع المهاجرون فعذلوه، ولاموه علي ذلك فاستجاب لهم وعفا عن عمار [7] .

ان عثمان لم يرع مكانة عمار من النبي (ص) وسابقته للاسلام، فاعتدي عليه وبالغ في تنكيله لانه أمره بالعدل، ودعاه إلي الحق.


پاورقي

[1] سورة الزمر: آية 9 نص علي نزولها في عمار القرطبي في تفسيره 5 / 239، وابن سعد في طبقاته 3 / 178.

[2] سورة الانعام: آية 122، نص علي نزولها في عمار السيوطي في تفسيره 1 / 239، وابن کثير في تفسيره 2 / 172.

[3] سيرة ابن هشام 2 / 114.

[4] المتکاء: العظيمة البطن، والتي لا تمسک بولها.

[5] الانساب 5 / 48.

[6] الانساب 5 / 49، العقد الفريد 2 / 273.

[7] الانساب 5 / 54، اليعقوبي 2 / 150.