بازگشت

الوليد بن عقبة


وعهد عثمان بولاية الكوفة إلي الوليد بن عقبة بعد أن عزل عنها سعد ابن أبي وقاص الزهري، وأجمع المؤرخون علي أنه كان من فساق بني أمية ومن أكثرهم مجونا، وانحرافا عن الاسلام وهو ممن أخبر النبي (ص) بانه من أهل النار [1] وكان أبوه عقبة من ألد أعداء رسول الله (ص) فكان يأتي بالفروث فيطرحه علي بابه [2] وقد بصق في وجه النبي (ص) فهدده (ص) بانه إن وجده خارجا من جبال مكة يأمر بضرب عنقه، فلما كانت واقعة بدر امتنع من الخروج فأصر عليه أصحابه بالخروج معهم


فأخبرهم بمقالة النبي (ص) له، فاغروه وخدعوه، وقالوا له: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فاستجاب لهم، وخرج لحرب رسول الله (ص) فلما هزم الله المشركين حمل به جمله في جدود من الارض فأخذه المسلمون، وجاءوا به أسيرا، فأمر عليا بضرب عنقه، فقال اليه وقتله [3] وقد اترعت نفس الوليد بالحقد علي النبي لانه قد وتره بأبيه، وقد أسلم مع من أسلم من كفار قريش خوفا من حد السيف الذي نزع روح أبيه. وقد لقبه القرآن الكريم بالفاسق، ويقول المؤرخون والمفسرون: إنه نزلت آيتان في فسقه: " الاولي ": قوله تعالي: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين " [4] وكان سبب نزول هذه الآية ان النبي (ص) أرسله إلي بني المصطلق لاخذ الصدقة فعاد اليه وأخبره بانهم منعوه عنها فخرج (ص) اليهم غازيا فتبين له كذبه ونزلت الآية معلنة فسقه. " الثانية ": قوله تعالي: " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " [5] .

وسبب نزولها أنه جرت مشادة بينه وبين الامام أمير المؤمنين (ع) فقال له الوليد: اسكت فانك صبي وأنا شيخ، والله اني أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملا منك حشوا في الكتيبة، فقال له علي:


اسكت فانك فاسق، فانزل الله فيهما هذه الآية، ونظم الحادثة حسان بن ثابت بقوله:



أنزل الله والكتاب عزيز

في علي وفي الوليد قرانا



فتبوا الوليد من ذاك فسقا

وعلي مبؤ إيمانا



ليس من كان مؤمنا عرف الله

كمن كان فاسقا خوانا



فعلي يلقي لدي الله عزا

ووليد يلقي هناك هوانا



سوف يجزي الوليد خزيا ونارا

وعلي لا شك يجزي جنانا [6] .



ولما عهد اليه عثمان بولاية الكوفة كان يشرب الخمر جهارا، وقد دخل قصره وهو ثمل يتمثل بأبيات لتأبط شرا.



ولست بعيدا عن مدام وقينة

ولا بصفا صلد عن الخير معزل



ولكن أروي من الخمر هامتي

وأمشي الملا بالساحب المتسلسل [7] .



ويقول الرواة: إنه كان يستمع إلي الغناء ويظل يسمر مع ندمائه ومغنيه سكرانا من أول الليل إلي الصباح، وكان يؤثر بمنادمته صديقا له من نصاري تغلب هو أبوزبيد الطائي، وقد انزله دارا علي باب المسجد ثم وهبها له فكان الطائي يخرج من منزله حتي يشق الجامع اليه فيسمر عنده ويشرب فيشق المسجد وهو سكران [8] ويقول المؤرخون: إنه شرب الخمر فصلي بالناس وهو ثمل صلاة الصبح أربع ركعات، وصار يقول في ركوعه وسجوده: اشرب واسقني، ثم قاء في المحراب وسلم، وقال للمصلين خلفه: هل أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود: لا زادك الله خيرا، ولا من


بعثك إلينا، وأخذ فروة نعله، وضرب بها وجهه، وحصبه الناس فدخل القصر، والحصباء تأخذه، وهو ثمل مترنح [9] وفي فضائحه ومخازيه يقول الحطيئة جرول بن اوس العبسي:



شهد الحطيئة يوم يلقي ربه

ان الوليد أحق بالغدر



نادي وقد تمت صلاتهم

أأزيدكم؟ ثملا ولا يدري



ليزيدهم خيرا ولو قبلوا

منه ازادهم علي عشر



فأبوا أبا وهب ولو فعلوا

لقرنت بين الشفع والوتر



حبسوا عنانك إذ جريت

ولو خلوا عنانك لم تزل تجري [10] .



ويقول فيه الحطيئة مرة اخري:



تكلم في الصلاة وزاد فيها

علانية وجاهر بالنفاق



ومج الخمر عن سنن المصلي

ونادي والجميع إلي افتراق



أأزيدكم علي أن تحمدوني

فما لكم ومالي من خلاق [11] .



وأسرع جماعة من خيار الكوفيين وصلحائهم إلي يثرب يشكون الوليد إلي عثمان، وقد صحبوا معهم خاتمه الذي انتزعوه منه في حالة سكره، ولما قابلوا عثمان، وشهدوا عنده بما رأوه من شرب الوليد للخمر، زجرهم عثمان، وقال لهم: " ما يدريكم أنه شرب الخمر؟ ". " هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهلية ". وأعطوه خاتمه الذي انتزعوه منه في حال سكره لتأييد شهادتهم، وغضب عثمان، وقام فدفع في صدورهم، وقابلهم باخبث القول، وأقساه


فخرجوا منه وقد ملك الذعر إهابهم وانطلقوا إلي الامام أمير المؤمنين، وأخبروه بما ألم بهم فانبري الامام إلي عثمان، فقال له: " دفعت الشهود وأبطلت الحدود؟ ". وهدأ عثمان، وخاف من عواقب الامور فاتجه نحو الامام قائلا بصوت خافت: " ما تري؟ ". " أري ان تبعث إلي صاحبك، فان أقاما الشهادة في وجهه، ولم يدل بحجة أقمت عليه الحد... ". ولم يجد عثمان بدا من الاذعان لقول الامام فكتب إلي الوليد يأمره بالشخوص اليه ولما وصلت إلي الوليد رسالة عثمان نزح من الكوفة إلي يثرب ولما مثل بين يدي عثمان دعا بالشهود فاقاموا عليه الشهادة فلم يدل باية حجة، وبذلك خضع لاقامة الحد، ولم ينبر اليه أحد لاقامة الحد عليه خوفا من عثمان، فقام الامام أمير المؤمنين (ع) ودنا منه فسبه الوليد وقال: " يا صاحب مكس " [12] وقام اليه عقيل فرد سبه، وجعل الوليد يروغ عن الامام فاجتذبه، وضرب به الارض، وعلاه بالسوط، وتميز عثمان غيظا وغضبا فصاح بالامام. " ليس لك أن تفعل به هذا ". فاجابه الامام بمنطق الشرع قائلا: " بلي وشر من هذا اذا فسق، ومنع حق الله أن يؤخذ منه " [13] .

ودلت هذه البادرة علي تهاون عثمان بحدود الله، وعدم اكتراثه باقامتها، وعلق الاستاذ العلائلي علي هذه البادرة بقوله:


" هذه القصة تضع بين أيدينا شيئا جديدا غير العطاء الذي يرجع إلي مكان العاطفة تضع بين أيدينا صورة من الاغضاء عن مجاوزة السلطة للقانون والاغضاء في واقعة دينية، بحيث يجب علي الخليفة أن يكون أول من يغار عليها، وإلا هدد مكانه وافسح للناس مجال التقول والتجريح، وبالاخص حين جاءت حكومته عقيب حكومة عمر التي عرفت بالشدة فيما يتعلق بالحدود الدينية حتي لو كان من أقرب ذوي القربي. إذن فهذه المبالغة في الاغضاء والصفح والمجاوزة لا ترجع إلي مكان العاطفة وحدها ان كانت بل إلي الحزبية أيضا حتي تتناصر مجتمعة... " [14] .

وعلي أي حال فان الوليد قد ترك أثرا سيئا في الكوفة فقد تأثرت بمجونه فكانت سيرته نقطة تحول في هذه المدينة - التي كانت تضم الصحابة والتابعين - إلي مدينة المجان واللاهين، فقد أعزي الوليد الناس إلي الاندفاع نحو المتع واللهو، واسست في الكوفة دور للغناء والطرب، وانتشر فيها المجان، وكان من المغنين فيها عبد الله بن هلال الذي لقب بصاحب ابليس [15] وحنين الخيري الشاعر النصراني [16] .


پاورقي

[1] مروج الذهب 2 / 223.

[2] طبقات ابن سعد 1 / 186.

[3] الغدير 8 / 273.

[4] سورة الحجرات: آية 6، يقول ابن عبد البر في الاستيعاب 2 / 62 لا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن الآية نزلت في الوليد.

[5] سورة السجدة: آية 18.

[6] تذکرة الخواص (ص 115).

[7] الاخبار الطوال (ص 156).

[8] الاغاني 5 / 122، مروج الذهب 1 / 232، العقد الفريد 6 / 348.

[9] السيرة الحلبية 2 / 314.

[10] الاغاني 4 / 178 - 179.

[11] الاغاني 4 / 178.

[12] المکس: النقص والظلم.

[13] مروج الذهب 2 / 225.

[14] الامام الحسين (ص 33).

[15] الاغاني 2 / 351.

[16] الاغاني 2 / 349.