بازگشت

عبدالله بن عامر


و عبد الله بن عامر بن كريز هو ابن خال عثمان وقد ولاه امارة


البصرة بعد أن عزل عنها أبا موسي الاشعري، وكان عمره أربعا أو خمسا وعشرين سنة [1] ، وقد اختاره لولاية هذا المصر العظيم، وكان الاولي ان يختار له من ثقاة الصحابة، وخيارهم لتستفيد الناس من هديه وصلاحه وتقواه، وتستمد منه الخير والرشاد، ولكنه لم يعن بذلك وانما عمد إلي ولايته لانه ابن خاله، وقد سار فيما يقول الرواة سيرة ترف وبذخ، فكان ولاجا خراجا، كما وصفه الاشعري [2] فهو اول من لبس الخز في البصرة وقد لبس جبة حمراء [3] وقد انكر عليه سياسته وسيرته عامر بن عبد الله التميمي كما عاب علي عثمان سلوكه وسيرته، وقد روي الطبري انه اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان، فاجتمع رأيهم ان يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره باحداثه، واختاروا عامر بن عبد الله لمقابلته، ولما التقي به قال له: " إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما فاتق الله عزوجل، وتب اليه، وانزع عنها... ". فاحتقره عثمان، واعرض عنه، وقال لمن حوله: " انظروا إلي هذا فان الناس يزعمون انه قارئ، ثم هو يجئ فيكلمني في المحقرات، فوالله ما يدري اين الله؟ ". وما هي المحقرات التي كلمه بها؟ إنه لم يكلمه الا بتقوي الله والعدل في الرعية، وايثار مصلحة المسلمين، واتباع سيرة النبي (ص) ولكن عثمان شق عليه ذلك، واعتبر نصيحته من المحقرات.


والتفت اليه عامر فقال ساخرا منه: " أنا لا ادري اين الله؟ ". " نعم ". " إني لادري ان الله بالمرصاد ". وغضب عثمان فارسل إلي مستشاريه وعماله فعرض عليهم نقمة المعارضين له، ونقل لهم حديث عامر معه، وطلب منهم الرأي في ذلك، فاشار عليه ابن خاله عبد الله بن عامر قائلا: " رأي لك يا أمير المؤمنين ان تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك، وان تجمهرهم في المغازي حتي يذلوا لك، فلا يكون همة احدهم الا نفسه، وما هو فيه من دبر دابته، وقمل فروته.. ". وأشار عليه آخرون بخلاف ذلك إلا انه استجاب لرأي عبد الله الداعي إلي مقابلة الناقمين عليه بالعسف والعنف، ورد عماله، وأمرهم بالتضييق علي المعارضين له، كما أمرهم بتجمير الناس في البعوث، وعزم علي تحريم عطائهم حتي يشيع الفقر والبؤس فيهم فيضطروا إلي طاعته [4] .

ولما قفل عبد الله بن عامر إلي البصرة عمد إلي التنكيل بعامر بن عبد الله وأوعز إلي عملائه أن يشهدوا عليه شهادة زور وبهتان بأنه قد خالف المسلمين في أمور أحلها الله، وأنه لا يأكل اللحم، ولا يري الزواج ولا يشهد الجمعة [5] ودون شهادتهم بذلك، ورفعها إلي عثمان فأمره بنفيه إلي الشام، وحمله علي قتب حتي يشق عليه السفر، ولما انتهي إلي الشام انزله معاوية (الخضراء) وبعث اليه بجارية لتكون عينا عليه، وتنقل له اخباره وشؤونه، وأشرفت عليه الجارية فرأته يقوم في الليل متعبدا،


ويخرج من السحر فلا يعود إلا بعد العتمة، ولا يتناول من طعام معاوية شيئا، وكان يتناول كسرا من الخبز ويجعلها في الماء تحرجا من أن يدخل جوفه شئ من الحرام، وانبرت الجارية فأخبرت معاوية بشأنه، فكتب إلي عثمان بأمره فاوعز اليه بصلته [6] .

وقد نقم المسلمون علي عثمان، وعابوا عليه ما ارتكبه في شأن هذا الرجل الصالح الذي أمره بتقوي الله والعدل في الرعية. وظل عبد الله بن عامر واليا علي البصرة يسير فيها بسيرة لم يألفها المسلمون فلم يتحرج عن الاثم والبغي والاعتداء، ولما قتل عثمان نهب ما في بيت المال وسار إلي مكة فوافي بها طلحة والزبير وعائشة فانضم اليهم، وأمدهم بالاموال ليستعينوا بها علي مناجزة الامام أمير المؤمنين، وهو الذي أشار عليهم بالنزوح إلي البصرة، والانصراف عن الشام [7] .


پاورقي

[1] الاستيعاب المطبوع علي هامش الاصابة 2 / 253.

[2] الکامل 3 / 38.

[3] اسد الغابة 3 / 192.

[4] تاريخ الطبري 5 / 94، تاريخ ابن خلدون 2 / 39.

[5] الفتنة الکبري 1 / 116.

[6] الاصابة 3 / 85.

[7] أسد الغابة 3 / 192.