بازگشت

مظاهر شخصيته


أما المظاهر الكاشفة عن ابعاد شخصية عثمان، والمحددة لذاتياته فأهمها ما يلي: 1 - إنه كان ضعيف الارادة خائر العزيمة، فلم تكن له أية شخصية قوية متماسكة يستطيع بها أن يفرض آراءه وارادته، كما لم تكن له أية قدرة علي مواجهة الاحداث والتغلب عليها، قد اخذ الامويون بزمامه، واستولوا علي جميع مقدرات حكومته، فلم يستطع أن يقف موقفا ايجابيا يتسم بالصلابة ضد رغباتهم، وأهوائهم، فكان بالنسبة اليهم - فيما يقول بعض المؤرخين - كالميت في يد الغاسل، وكان الذي يدير شؤون دولته مروان بن الحكم، فهو الذي يعطي ما يشاء، ويمنع من يشاء ويتصرف في


مقدرات الامة حسب ميوله من دون ان يعني بأحكام الاسلام، ولا رأي لعثمان، ولا اختيار له في جميع الاحداث التي تواجه حكومته، فقد وثق بمروان واعتمد عليه، وأناط به جميع شؤون الدولة، يقول ابن أبي الحديد نقلا عن بعض مشايخه: ان الخليفة في الحقيقة والواقع انما كان مروان وعثمان له اسم الخلافة. ان قوة الارادة لها الاثر التام في تكوين الشخصية واستقامتها، فهي تكسب الشخص قوة ذاتية يستطيع أن يقف بحزم أمام التيارات والاعاصير التي تواجهه في هذه الحياة، ومن المستحيل أن يحقق الشخص أي هدف لامته ووطنه من دون أن تتوفر فيه هذه النزعة، وقد منع الاسلام منعا باتا أن يتولي ضعيف الارادة قيادة الامة، وحظر عليه مزاولة الحكم لانه يعرض البلاد للويلات والخطوب، ويغري ذوي القوي بالتمرد والخروج من الطاعة، وتمني الامة بالازمات والاخطار. ووصفه بعض المؤرخين بالرأفة والرقة واللين والتسامح إلا أن ذلك كان مع أسرته وذويه أما مع الجبهة المعارضة لحكومته فقد كان شديد القسوة، فقد بالغ في ارهاقهم وأضطهادهم، وقابلهم بمزيد من العسف والعنف، فنفي أبا ذر من يثرب إلي الربذة، وفرض عليه الاقامة الجبرية في مكان انعدمت فيه جميع وسائل الحياة، حتي مات طريدا غريبا، ونكل بالصحابي العظيم عمار بن ياسر فأمر بضربه حتي أصابه فتق، وألقته شرطته في الطريق مغمي عليه، واوعز إلي شرطته بضرب القارئ الكبير عبد الله بن مسعود فالهبت جسمه سياطهم وألقوه في الطريق بعد أن هشموا بعض أضلاعه، وحرم عليه عطاءه، وهكذا اشتد في القسوة مع اعلام المعارضة. نعم كان شديد الرأفة والرقة بارحامه من بني امية وآل أبي معيط،


فمنحهم خيرات البلاد، وحملهم علي رقاب الناس، واسند اليهم جميع المناصب الحساسة في الدولة. 2 - وظاهرة ثانية من نزعات عثمان هو انه كان شديد القبلية فقد أترعت نفسه بالعواطف الجياشة تجاه قبيلته، حتي تمني أن تكون مفاتيح الفردوس بيده ليهبها لبني أمية، وقد آثرهم بالفئ، ومنحهم الثراء العريض، ووهبهم الملايين من أموال الدولة، وجعلهم ولاة علي الاقطار والاقاليم الاسلامية وكانت تتواتر لديه الاخبار بانهم جانبوا الحق وظلموا الرعية، وأشاعوا الفساد في الارض فلم يعن بذلك ولم يفتح معهم أي لون من ألوان التحقيق ورد الشكاوي الموجهة ضدهم، وسنعرض لذلك بمزيد من التفصيل. 3 - والظاهر الثالثة من نزعات عثمان هو انه كان يميل إلي الترف والبذخ، ولم يعن ببساطة العيش والزهد في الدنيا كما كان رسول الله صلي الله عليه وآله ففتنن بالبذخ والترف فاتخذ القصور، واصطفي لنفسه ما شاء من بيت المال واحاط نفسه بالثراء العريض من دون ان يتحرج في ذلك، ووصفه الامام أمير المؤمنين (ع) بقوله: " نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه " وكان ذلك من موجبات النقمة عليه، وسنتحدث عن هذه الظاهرة بمزيد من التفصيل عند البحث عن سياسته المالية. هذه بعض نزعات عثمان، وقد أوجبت اخفاقه وفشله في الميادين السياسية، واذاعة التذمر والنقمة عليه.