بازگشت

آفات الشوري


واجمع المحققون من القدامي والمحدثين علي نقد هذه الشوري وتزييف نظامها، وذكروا لها كثيرا من المضاعفات السيئة التي عادت علي المسلمين بالفتن والخلاف، وخلقت لهم المصاعب والمشاكل، وقد دللنا عليها في كتابنا " حياة الامام الحسن " ولكن ضرورة البحث تقتضي ذكرها وهي:


أولا - إن هذا النظام بعيد عن واقع الشوري، وقد خلي من جميع العناصر التي تتميز بها فانه لابد أن تتوفر فيها ما يلي: أ - أن تشترك الامة بجميع قطاعاته في الانتخاب. ب - أن لا تتدخل الحكومة أي تدخل مباشر أو غير مباشر في شؤون الانتخاب. ج - أن تتوفر الحريات العامة لجميع الناخبين. وفقدت الشوري العمرية هذه العناصر، ولم يعد لها أي وجود فيها فقد حظر الامة أن تشترك في الانتخاب، ولم تمنح لها الحرية في اختيار من ترغب فيه للحكم، وانما فوض أمرها إلي ستة اشخاص، وجعل آرائهم تعادل آراء بقية الشعوب الاسلامية وهذا لون من ألوان التزكية تفرضه بعض الحكومات التي لا تعني بارادة شعوبها علي انه أوعز إلي البوليس بالتدخل في الامر، وعهد اليهم بقتل من لا يوافق من اعضاء الشوري علي من ينتخبه بقية الاعضاء، كما عهد اليهم بتحديد مدة الانتخاب في ثلاثة أيام وقد ضيق الوقت علي الناخبين خوفا من تدخل القطعات الشعبية في الامر فيفوت غرضه. ثانيا - ان هذه الشوري ضمت العناصر المعادية للامام، والحاقدة عليه، ففيها طلحة التميمي، وهو من أسرة أبي بكر الذي نافس الامام علي الخلافة، ودفعه عنها وفيها عبد الرحمان بن عوف وهو صهر عثمان، ومن أكثر المهاجرين حقدا علي الامام فهو - كما يقول المؤرخون - كان من الذين استعان بهم أبوبكر لارغام الامام علي مبايعته، وضمت الشوري سعد بن أبي وقاص، وكانت نفسه مترعة بالحقد والكراهية للامام من أجل أخواله الامويين فان امه حمنة بنت سفيان بن امية، وقد اباد الامام اعلامهم وصناديدهم في سبيل الدعوة الاسلامية، ولما بايع المسلمون الامام تخلف


عن بيعته سعد، ومن اعضاء الشوري عثمان بن عفان عميد الاسرة الاموية وقد اختار عمر - فيما يقول بعض المؤرخين - هذه العناصر المنافسة للامام والحاقدة عليه، حتي لايؤول الامر اليه، وقد تحدث الامام (ع) عن المؤثرات التي لعبت دورها في ميدان الانتخاب قال (ع): " لكني أسففت اذ أسفوا، وطرت اذ طاروا فصغي رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن!! ". وعلي أي حال فان هذه الشوري لم يكن المقصود منها - فيما يقول المحققون - إلا اقصاء الامام عن الحكم، ومنحه للامويين يقول العلائلي: " إن تعيين الترشيح مجدهم علي اكتاف المسلمين، وقد وصل إلي هذه النتيجة السيد مير علي الهندي قال: إن حرص عمر علي مصلحة المسلمين دفعة إلي اختيار هؤلاء الستة من خيرة أهل المدينة دون ان يتبع سياسة سلفه وكان للامويين حزب قوي في المدينة، ومن هنا مهد اختياره السبيل لمكائد الامويين، ودسائسهم هؤلاء الذين ناصبوا الاسلام العداء، ثم دخلوا فيه وسيلة لسد مطامعهم، وتشييد صرح مجدهم علي اكتاف المسلمين [1] .

ثالثا - لقد عمد عمر في هذه الشوري إلي ابعاد الانصار فلم يجعل لهم أي نصيب فيها، وهم الذين آووا النبي، ونصروا الاسلام في أيام محنته وغربته، وقد أوصي بهم النبي (ص) خيرا، كما انه لم يجعل نصيبا فيها لعمار وأبي ذر، وأمثالهما من اعلام الاسلام، وأكبر الظن انه انما أبعدهم لان لهم هوي وميلا للامام (ع)، ولا ينتخبون غيره، ولا يرضون سواه، ولهذا الجهة اقصاهم، وقصر اعضاء الشوري علي العناصر المعادية له.


رابعا - من غريب أمر هذه الشوري أن عمر قد شهد في حق أعضائها أن النبي (ص) مات وهو عنهم راض، أو انه شهد لهم بالجنة، وقد عهد إلي الشرطة بضرب أعناقهم إن تأخروا عن انتخاب احدهم - حسب ما ذكرناه - ويقول الناقدون لهذه الشوري: إن التخلف عن الانتخاب لم يكن خروجا عن الدين، ولا مروقا عن الاسلام حتي تباح دماؤهم!! فلم يتفق هذا الحكم مع ما أثر عن الاسلام في حرمة اراقة الدماء ووجوب التحرج فيها إلا في مواضع مخصوصة ذكرها الفقهاء، وهذا ليس منها. بقي هنا شئ آخر لا يقل غرابة عن ذلك التناقض، وهو أن عمر انما قصر أعضاء الشوري علي الستة بحجة أن رسول الله (ص) مات وهو عنهم راض، وهذه الحجة لا تصلح دليلا علي التعيين لان رسول الله صلي الله عليه وآله مات وهو راض عن كثير من صحابته، فتقديم الستة عليهم انما هو من باب الترجيح بلا مرجح، وهو مما يتسم بالقبح كما يقول علماء الاصول. خامسا - إن مما يؤخذ علي هذه الشوري ان عمر جعل الترجيح للجبهة التي تضم عبد الرحمان بن عوف، وقدمها علي الجبهة التي تضم الامام امير المؤمنين (ع) وهو تحيز ظاهر للقوي القرشية الحاقدة علي الامام والباغية عليه، كما أنا لا نعلم أن هناك أي مأثرة يمتاز بها ابن عوف يستحق بها هذه الاشادة والتكريم، أليس هو واخوانه من المهاجرين كطلحة والزبير وغيره قد استأثروا باموال المسلمين وفيئهم حتي ملكوا من الثراء العريض ما لا يحصي، وتحيروا في صرفه وانفاقه وقد ترك ابن عوف - فيما يقول المؤرخون - من الذهب ما يكسر بالفؤوس لكثرته، أمثل هذا يقدم علي الامام (ع)؟!! وهو صاحب المواهب والعبقريات، الذي لاند له


في علمه وتقواه وتحرجه في الدين، والله تعالي يقول في كتابه: " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ". سادسا - ان هذه الشوري أوجدت التنافس بين اعضائها، فان كل واحد منهم قد رأي نفسه ندا للآخر وكفوءا له، ولم يكونوا قبل ذلك علي هذا الرأي فقد كان سعد خاضعا لعبد الرحمان، وعبد الرحمان تابع لعثمان ومن خلص أصحابه ومناصريه وبعد الشوري حدث بينهما انشقاق غريب، فكان عبد الرحمان يؤلب علي عثمان، ويدعو عليا ليحمل كل منهما سيفه ليناجزه وقد عهد إلي اوليائه بعد موته ان لا يصلي عليه عثمان.. وكذلك كان الزبير شيعة للامام، وقد وقف إلي جانبه يوم السقيفة، وتحمل في سبيله ضروبا شاقة وعسيرة من الجهد والعناء، وقد قال في عهد عمر: " والله لو مات عمر بايعت عليا " ولكن الشوري قد نفخت فيه روح الطموح فرأي نفسه ندا للامام ففارقه وخرج عليه يوم الجمل، وهكذا اوجدت الشوري روح التخاصم والعداء بين اعضائها، فقد رأي كل واحد منهم انه اولي بالامر، واحق به من غيره، وقد ادي التخاصم والنزاع الذي وقع بينهم إلي تصديع كلمة المسلمين وتشتيت شملهم، وقد اعلن هذه الظاهرة معاوية بن أبي سفيان في حديث مع ابي الحصين الذي أوفده زياد لمقابلته فقد قال له معاوية: - بلغني ان عندك ذهنا وعقلا، فاخبرني عن شئ أسألك عنه؟ - سلني عما بدا لك. - اخبرني ما الذي شتت شمل امر المسلمين وملاهم وخالف بينهم؟ - قتل الناس عثمان. - ما صنعت شيئا. - مسير علي اليك وقتاله إياك.


- ما صنعت شيئا. - مسير طلحة والزبير وعائشة، وقتال علي اياهم!! - ما صنعت شيئا. - ما عندي غير هذا. - أنا اخبرك انه لم يشتت بين المسلمين، ولا فرق أهواءهم إلا الشوري التي جعلها عمر إلي ستة نفر، وذلك ان الله بعث محمدا بالهدي ودين الحق، ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون، فعمل بما امره الله به، ثم قبضه الله اليه، وقدم أبا بكر للصلاة فرضوه لامر دنياهم اذ رضيه رسول الله (ص) لامر دينهم، فعمل بسنة رسول الله (ص) وسار بسيرته، حتي قبضه الله، واستخلف عمر فعمل بمثل سيرته، ثم جعلها شوري بين ستة نفر فلم يكن رجل منهم الا رجاها لنفسه، ورجاها له قومه، وتطلعت إلي ذلك نفسه، ولو ان عمر استخلف عليهم كما استخلف أبوبكر ما كان في ذلك خلاف " [2] .

إن من المظاهر الاولية لهذه الشوري اشاعة الاطماع والاهواء السياسية بشكل سافر عند بعض أعضائها فاندفعوا إلي خلق الحزبية والتكتلات في المجتمع الاسلامي للوصول إلي كرسي الحكم، مما ادي ذلك إلي كثير من المضاعفات السيئة وقد امتحن بها المسلمون امتحانا عسيرا. هذه بعض آفات الشوري التي عاني منها المسلمون أقسي ألوان الكوارث والخطوب فقد مهدت الطريق أمام الطلقاء وأبنائهم للاستيلاء علي السلطة والقبض علي زمام الحكم، وتخطيط سياسة للدولة لم يألفها المسلمون، ومن أبرز برامجها الاستئثار بالفئ ونهب ثروات الامة وخيراتها، والامعان في ظلم الاخيار والتنكيل بعترة النبي (ص)



پاورقي

[1] الامام الحسين 1 / 267.

[2] العقد الفريد 3 / 73 - 74.