بازگشت

عمر مع اعضاء الشوري


ودعا عمر أعضاء الشوري الذين أنتخبهم، وزكاهم، وزعم ان النبي (ص) قال فيهم إنهم من أهل الجنة [1] إلا أنه لما اجتمعوا عنده وجه اليهم اعنف النقد وأقساه وطعن في كل واحد منهم طعنا لاذعا، ورماهم بالنزعات الشريرة التي توجب القدح في ترشيحهم لمنصب الامامة والخلافة، وقد روي المؤرخون حديثه بصور مختلفة، وفيما يلي بعضها. 1 - انه لما نظر اليهم قال: قد جاءني كل واحد منهم يهز عفريته يرجو أن يكون خليفة... أما أنت يا طلحة، أفلست القائل: إن قبض النبي (ص) أنكح أزواجه من بعده؟ فما جعل الله محمدا أحق ببنات اعمامنا منا، فانزل الله فيك " وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا ازواجه من بعده أبدا " [2] .

وأما انت يا زبير فوالله ما لان قلبك ولا ليلة، وما زلت جلفا


جافيا، واما انت يا عثمان فوالله لروثة خير منك، واما انت يا عبد الرحمان فانك رجل عاجز تحب قومك جميعا، واما انت يا سعد فصاحب عصبية وفتنة، واما أنت يا علي فوالله لو وزن ايمانك بايمان اهل الارض لرجحهم وقام علي، موليا، فالتفت عمر إلي حضار مجلسه فقال: " والله إني لاعلم مكان رجل لو وليتموه أمركم لحملكم علي المحجة البيضاء؟... ". " من هو؟ ". " هذا المولي من بينكم ". " ما يمنعك من ذلك؟ ". " ليس إلي ذلك من سبيل " [3] .

وقد خدش في كل واحد منهم، سوي الامام امير المؤمنين (ع) فانه أبدي اكباره له، واعترف بقابلياته وصلاحيته للحكم، وانه لو ولي أمور المسلمين لحملهم علي المحجة البيضاء والطريق الواضح الا انه لا يجد سبيلا إلي ذلك. 2 - يقول المؤرخون: انه لما التقي باعضاء الشوري قالوا له: قل فينا يا أمير المؤمنين مقالة نستدل فيها برأيك، ونقتدي به، فقال: والله ما يمنعني ان استخلفك يا سعد إلا شدتك وغلظتك مع انك رجل حرب وما يمنعني منك يا عبد الرحمان إلا انك فرعون هذه الامة، وما يمنعني منك يا زبير الا انك مؤمن الرضا، كافر الغضب، وما يمنعني من طلحة إلا نخوته وكبره، ولو وليها وضع خاتمه في اصبع امرأته، وما يمنعني منك يا عثمان الا عصبيتك، وحبك قومك وأهلك، وما يمنعني منك يا علي


إلا حرصك عليها، وانك احري القوم إن وليتها ان تقيم علي الحق المبين والصراط المستقيم [4] .

وقد وصم اعضاء الشوري بمساوئ الصفات، فوصف عبد الرحمان ابن عوف بانه فرعون هذه الامة، ومن الغريب حقا انه لم يلبث أن فوض اليه شؤون الانتخاب وجعل قوله منطق الفصل، وفصل الخطاب... كما اتهم الامام بالحرص علي الخلافة، إلا ان سيرة الامام المشرقة تدل علي عكس ذلك، فانه (ع) لم يكن من عشاق السلطة ولا من طلاب الملك، وانه انما نازع الخلفاء، واقام عليهم الحجة بانه اولي بالامر منهم لا ليتخذ من الحكم وسيلة للتمتع بخيرات البلاد كما اتخذه بعضهم، ولا من أجل التمتع بالرغبات النفسية التي تتطلب السلطان، وتتهالك عليه لبسط نفوذها واستعلائها علي الناس، ان الامام (ع) لم يكن باي حال ينشد مثل هذه الاهداف الرخيصة، وانما كان يبغي الحكم لنشر العدل، واقامة الحق، وتطبيق شريعة الله علي واقع الحياة من اجل هذه الغايات النبيلة كان (ع) حريصا علي الخلافة، وقد ادلي بذلك بقوله: " اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، وتقام المعطلة من حدودك، ويأمن المظلومون من عبادك!! ". واعرب (ع) في حديث له مع ابن عباس بذي قار عن مدي زهده بالسلطة. واحتقاره للحكم، فقد كان (ع) يخصف بيده نعلا له فالتفت إلي ابن عباس. - يابن عباس ما قيمة هذا النعل؟ - يا امير المؤمنين لا قيمة له.


- انه خير من خلافتكم هذه الا ان اقيم حقا، وادفع باطلا. إنه انما كان حريصا علي الخلافة من اجل اقامة المثل العليا، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتطوير الوعي الاجتماعي، وازدهار الحياة العامة. 3 - وفي رواية ثالثة ان عمر دعا اعضاء الشوري فلما مثلوا عنده قال لهم: " اكلكم يطمع بالخلافة بعدي؟؟ ". ووجموا عن الكلام، فاعاد القول عليهم ثانيا، فانبري اليه الزبير، رادا عليه مقالته: " وما الذي يبعدنا منها؟! وليتها انت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش، ولا في السابقة، ولا في القرابة ". ولم يسعه الرد عليه، وقال لهم: " افلا اخبركم عن انفسكم؟ ". " قل: فانا لو استعفيناك لم تعفنا!! ". واخذ يدلي عليهم اتجاهاتهم وميولهم، ويحدثهم عن نفسياتهم فاتجه صوب الزبير فقال له: " اما انت يا زبير فوعق لقس [5] مؤمن الرضا، كافر الغضب يوما انسان، ويوما شيطان، ولعلها لو افضت اليك، ظلت يومك تلاطم بالبطحاء علي مد من شعير!! فرأيت إن افضت اليك، فليت شعري، من يكون للناس يوم تكون شيطانا، ومن يكون يوم تغضب؟!! وما كان الله ليجمع لك امر هذه الامة، وانت علي هذه الصفة ". إن الزبير حسب هذا التحليل النفسي لشخصيته مبتلي بآهات خطيرة وهي:


1 - الضجر والتبرم. 2 - عدم الاستقامة في سلوكه. 3 - الغشب الهائل الذي يفقده الرشد والتوازن. 4 - الحرص والبخل، وهما يجرانه إلي ملاطمة الناس علي مد من شعير. وهذه النزعات من مساوئ الصفات، ومن اتصف ببعضها لا يصلح لان يتولي اي منصب حساس في جهاز الدولة فضلا عن ان يكون خليفة وإماما للمسلمين. واقبل علي طلحة فقال له: " اقول: ام اسكت؟ ". فزجره طلحة، وقال له: " إنك طلحة، وقال له: " إنك لا تقول: من الخير شيئا ". " اما اني اعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم احد وائيا [6] بالذي حدث لك ولقد مات رسول الله (ص) ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب ". واذا كان رسول الله (ص) ساخطا علي طلحة كيف يرشحه خليفة وإماما للمسلمين؟ كما ان هذا يناقض ما قاله: ان رسول الله (ص) مات وهو راض عن اعضاء الشوري، وعلق الجاحظ علي هذا بقوله: " لو قال لعمر قائل: انت قلت: إن رسول الله (ص) مات وهو راض عن الستة فكيف تقول الآن لطلحة؟ انه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه [7] ولكن من


الذي كان يجسر علي عمر ان يقول: له ما دون هذا، فكيف هذا؟!! ". واتجه صوب سعد بن أبي وقاص فقال له: " إنما أنت صاحب مقنب [8] من هذه المقانب تقاتل به، وصاحب قنص وقوس وسهم، وما زهرة والخلافة وأمور الناس!! ". ان سعد رجل عسكري لا يفقه إلا عمليات الحروب، ولا خبرة له بالشؤون الادارية والاجتماعية للامة، فكيف يرشحه للخلافة؟ كما طعن في صلاحية قبيلة سعد لتولي شؤون الحكم. وأقبل علي عبد الرحمان بن عوف فقال له: " أما أنت يا عبد الرحمان، فلو وزن نصف ايمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك عليهم، ولكن ليس يصلح هذا الامر لمن فيه ضعف كضعفك وما زهرة وهذا الامر!! ". وعبد الرحمان - حسب رأي عمر - رجل ايمان وتقوي، ولا نعلم اين كان ايمانه حينما عدل عن انتخاب سيد العترة الطاهرة الامام أمير المؤمنين عليه السلام وسلم أمور المسلمين بأيدي الامويين، فاتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ثم انه لم تكن له شخصية قوية، ولا عزم ثابت، ولا ارادة صلبة - حسب اعتراف عمر - فكيف يرشحه للخلافة؟!! كيف يجعل قوله منطق الفصل في تعيين من يشاء لشؤون الامة؟!! والتفت إلي الامام أمير المؤمنين (ع) فقال له: " لله أن لو لا دعابة فيك!! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم علي الحق الواضح والمحجة البيضاء ". متي كانت للامام الدعابة وهو الذي ما ألف في حياته إلا الجد والحزم في القول والعمل، ثم أن من يتصف بهذه النزعة كيف يتمكن أن يحمل


المسلمين علي الحق الواضح والمحجة البيضاء - كما يقول عمر - ان هذه السياسة تتنافي مع الدعابة الناشئة عن ضعف الشخصية وخورها. وأكد عمر ان الامام لو ولي أمور المسلمين لسار فيهم بالحق، وحملهم علي الصراط المستقيم، فكيف يجعله من أعضاء الشوري، ولا ينص عليه بالخصوص؟ وهل من الحيطة علي الامة أن يفوت عليها الفرصة، ولا يسلم أمرها بيد من يسير فيها بسيرة قوامها العدل الخالص والحق المحض؟!! واقبل علي عثمان عميد الاسرة الاموية التي ناهضت الاسلام فقال له: " هيها اليك!! كاني بك قد قلدتك قريش هذا الامر لحبها إياك فحملت بني أمية، وبين أبي معيط علي رقاب المسلمين، وآثرتهم بالفئ، فسارت اليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك علي فراشك ذبحا، والله لئن فعلوا لتفعلن، ولئن فعلت ليفعلن، ثم أخذ بناصيته فقال: فاذا كان ذلك فاذكر قولي... " [9] .

ونحن اذا تأملنا قليلا في قوله لعثمان: " كأني بك قد قلدتك قريش هذا الامر لحبها إياك " نجده قد قلد عثمان بالخلافة فان نظام الشوري الذي وضعه كان حتما يؤدي إلي فوزه بالسلطة، فقد جعله أحد أعضاء الشوري وكان أكثرهم ممن له اتصال وثيق باسرة عثمان، وهم لا يعدلون عن انتخابه، ولا يقدمون غيره عليه وفي الحقيقة أنه هو الذي قلده الخلافة، وفوض اليه أمور المسلمين، ثم انه مع دراسة لنفسيته، ووقوفه علي حبه الشديد لاسرته كيف يرشحه للخلافة، وهو بالذات يعلم خطر بني امية علي الاسلام، وقد أعلن ذلك في حديثه مع المغيرة بن شعبة يقول له: - يا مغيرة هل أبصرت بعينك العوراء؟ - لا.


- أما والله ليعورن بنو أمية الاسلام، كما أعورت عينك هذه، ثم ليعمينه حتي لا يدري أين يذهب، ولا أين يجي؟ [10] .

فكان الاجدر به، وهو علي عتبة الموت أن يجنب الامة خطر الامويين، ولا يجعل لهم أي نصيب في الحكم. هذه بعض الروايات التي أثرت عنه في حديث مع أعضاء الشوري.


پاورقي

[1] الکامل لابن الاثير 3 / 35.

[2] سورة الاحزاب: آية 53.

[3] شرح النهج 12 / 159.

[4] الامامة والسياسة 1 / 24.

[5] الوعق: الضجر المتبرم، اللقس: من لا يستقيم علي وجه.

[6] وائيا: غاضبا.

[7] المشاقص: جمع مشقص وهو نصل السهم.

[8] المقنب: جماعة الخيل.

[9] شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 185 - 186 الطبعة الاولي.

[10] نهج البلاغة 12 / 82.