بازگشت

عمر والحسين


وانطوت نفس الامام الحسين علي حزن لاذع، وأسي عميق علي من احتل مقام أبيه فبعث ذلك في نفسه عنصرا من عناصر الاستياء والتذمر، وكان يشعر بالمرارة بكل وعي، وهو في سنة المبكر ويقول المؤرخون: ان عمر كان يخطب علي المنبر، فلم يشعر إلا والحسين قد صعد إليه، وهو يهتف: " انزل... انزل عن منبر أبي، واذهب إلي منبر أبيك ". وبهت عمر، واستولت الحيرة علي اهابه، وراح يصدقه ويقول له: " صدقت لم يكن لابي منبر ". وأخذه فأجلسه إلي جنبه، وجعل يفحص عمن أوعز اليه بذلك قائلا له: " من علمك؟ ". " والله ما علمني أحد " [1] .

شعور طافح بالالم انبعث عن عبقرية وادراك واسع، نظر إلي منبر جده الذي كان مصدر النور والوعي، فرأي أنه لا يليق بأن يرقاه أحد من بعده غير أبيه رائد العلم والحكمه في الارض. ويقول المؤرخون: إن عمر كان معنيا بالامام الحسين (ع) وطلب


منه أن يأتيه اذا عرض له أمر، وقصده يوما، وهو خال بمعاوية، ورأي ابنه عبد الله فطلب الاذن منه فلم يأذن له فرجع معه، والتقي به عمر في الغد فقال له: " ما منعك يا حسين أن تأتيني؟ ". " إني جئت، وانت خال بمعاوية، فراجعت مع ابن عمر ". " أنت أحق من ابن عمر، فإن أنبت ما تري في رؤوسنا الله ثم أنتم " [2] .

واقتضت سياسته أن يقابل سبطي الرسول (ص) الحسن والحسين عليهما السلام بمزيد من التكريم، فقد جعل لهما نصيبا فيما يغنمه المسلمون، ووردت إليه حلل من وشي اليمن، فوزعها علي المسلمين، ونساهما، فبعث إلي عامله علي اليمن ان يرسل له حلتين، فارسلهما اليه فكساهما، وقد جعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما، والحقهما بفريضة أهل بدر، وكانت خمسة آلاف [3] ولم تظهر لنا أي بادرة عن الامام الحسين في عهد عمر سوي ما ذكرناه، ويعود السبب في ذلك إلي انعزال الامام أمير المؤمنين مع أبنائه عن جهاز الحكم، وايثارهم الانطواء عن القوم، وعدم الاشتراك معهم في أي شأن من شؤون الدولة، فقد اترعت نفوسهم بالاسي المرير والحزن العميق، وقد أعلن الامام أساه وأحزانه في كثير من المواقف، ويقول المؤرخون: إن عمر نزلت به نازلة فحار في التخلص منها، وعرض علي اصحابه ذلك فقال لهم: - ما تقولون في هذا الامر؟ - أنت المفزع، والمنزع.


فلم يرضه ذلك، وتلا قوله تعالي: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " [4] .

" أما والله إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بها ". - كأنك أردت ابن أبي طالب. - وأني يعدل بي عنه، وهل طفحت حرة مثله. - لو دعوت به يا أمير المؤمنين. - إن هناك شمخا من هاشم وأثرة من علم، ولحمة من رسول الله صلي الله عليه وآله يؤتي ولا يأتي، فامضوا بنا اليه. وخفوا جميعا اليه فالفوه في حائط له، وعليه تبان، وهو يتركل علي مسحاته ويقرأ " أيحسب الانسان ان يترك سدي " إلي آخر السورة ودموعه تهمي علي خديه، فاجهش القوم بالبكاء، ثم سكتوا فسأله عمر عما ألم به فاجابه عنه، فقال له عمر: - أما والله لقد أرادك الحق، ولكن أبي قومك. - يا أبا حفص خفض عليك من هنا، ومن هنا، وقرأ قوله تعالي: " ان يوم الفصل كان ميقاتا ". وذهل عمر، فوضع احدي يديه علي الاخري، وخرج كأنما ينظر في رماد [5] .


پاورقي

[1] الاصابة 1 / 332.

[2] الاصابة 1 / 332.

[3] تاريخ ابن عساکر 4 / 321.

[4] سورة الاحزاب: آية 70.

[5] شرح نهج البلاغة 12 / 79 - 80.