بازگشت

اعتزال الامام


ولم يختلف المؤرخون في ان الامام (ع) قد انطوت نفسه علي حزن عميق، وأسي شديد علي ضياع حقه، وسلب تراثه، فقد جهد القوم علي الغض من شأنه، ومعاملته كشخص عادي غير حافلين بمواهبه، ومواقفه ومكانته من النبي (ص) فكان في معزل عنهم، لا يشاركهم في أي أمر


من أمور الملك والسلطان، ولا يشاركونه فيها، واعرض عنهم واعرضوا عنه، حتي الصق خده بالتراب، كما يقول المؤرخون: يقول محمد بن سليمان في اجوبته عن اسئلة جعفر بن مكي عما دار بين علي وعثمان قال: " إن عليا دحضه الاولان - يعني الشيخين - واسقطاه، وكسرا ناموسه بين الناس، فصار نسيا منسيا " [1] .

ويعزو الامام (ع) في حديث له مع عبد الله بن عمر إلي أبيه جميع ما لاقاه من النكبات التي منها تقدم عثمان عليه [2] .

وعلي أي حال فان الامام (ع) قد اعتزل عن الناس في عهد عمر كما اعتزلهم في عهد أبي بكر، فصار جليس بيته يساور الهموم، ويسامر النجوم، ويتوسد الارق، ويفترش الارق، ويتجرع الغصص، قد كظم غيظه فلم يتصل بأحد إلا بخلص أصحابه الذين عرفوا واقعة، ومكانته كعمار ابن ياسر، وأبي ذر، والمقداد، وقد عكف علي جمع القرآن، وكتابته والامعان في آياته. وأجمع المؤرخون علي ان عمر كان يرجع اليه في مهام المسائل التي يسأل عنها، والامام لم يضن عليه بالجواب، اظهارا لاحكام الله التي يجب علي العلماء اذاعتها بين الناس... وكان عمر يذيع فضل الامام، ويقول: " لولا علي لهلك عمر ". والشئ المحقق ان عمر كان في أكثر المسائل الفقهية اذا سئل عنها لم يهتد لجوابها، وانما يفزع إلي الامام (ع) والي سائر الصحابة، وقد اشتهرت كلمته " كل الناس افقه من عمر حتي ربات الحجال " وقال:


" كل الناس أفقه من عمر حتي المخدرات في البيوت " وقد دلل المحقق الاميني علي ذلك بما لا مزيد عليه [3] .


پاورقي

[1] نهج البلاغة 9 / 28 طبع دار احياء الکتب العربية.

[2] نهج البلاغة 9 / 54.

[3] الغدير 6 / 83 - 333.