بازگشت

مراقبة الولاة


وكان عمر شديد المراقبة لعماله وولاته، فكان لا يولي عاملا إلا أحصي عليه ماله، واذا عزله أحصاه عليه حين العزل فان وجد عنده فرقا قاسمه


ذلك الفرق فترك له شطرا، والشطر الآخر ضمه إلي بيت المال [1] واستعمل أبا هريرة الدوسي واليا علي البحرين، وقد بلغه عنه أنه استأثر بأموال المسلمين فدعاه اليه، ولما حضر عنده زجره وقال له: " علمت أني استعملتك علي البحرين، وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت افراسا بالف وستمائة دينار... ". واعتذر أبوهريرة فقال له: " كانت لنا أفراس تناتجت، وعطايا تلاحقت " ولم يعن به عمر وانما زجره وصاح به. " قد حسبت لك رزقك، ومؤنتك، وهذا فضل فاده ". وراوغ أبوهريرة فقال له: " ليس لك ذلك. " بلي والله وأوجع ظهرك ". وغضب عمر فقام اليه، وعلاه بدرته حتي ادماه، ولم يجد أبوهريرة بدا من احضار الاموال التي انتهبها بغير حق فقال له: " أئت بها، واحتسبها عند الله ". فرد عليه منطقه الهزيل وقال له: " ذلك لو أخذتها من حلال، واديتها طائعا، أجئت بها من أقصي حجر البحرين يجبي الناس لك لا لله، ولا للمسلمين ما رجعت بك اميمة [2] .

إلا لرعية الحمر [3] وشاطره جميع أمواله، وقد شاطر من عماله ما يلي: 1 - سمرة بن جندب. 2 - عاصم بن قيس.


3 - مجاشع بن مسعود. 4 - جزء بن معاوية. 5 - الحجاج بن عتيك. 6 - بشير بن المحتفز. 7 - أبومريم بن محرش. 8 - نافع بن الحرث. هؤلاء بعض عماله وولاته الذين شاطرهم أموالهم، ويقول المؤرخون إن السبب في اتخاذه لهذا الاجراء هو يزيد بن قيس فقد حفزه إلي ذلك ودعاه اليه بهذه الابيات:



ابلغ أمير المؤمنين رسالة

فأنت أمين الله في النهي والامر



وأنت أمين الله فينا ومن يكن

أمينا لرب العرش يسلم له صدري



فلا تدعن أهل الرسانيق والقري

يسيغون مال الله في الادم والوفر



فارسل إلي الحجاج فاعرف حسابه

وارسل إلي جزء وارسل إلي بشر



ولا تنسين النافعين كليهما

ولا ابن غلاب من سراة بني نصر



وما عاصم منها بصفر عيابه

وذاك الذي في السوق مولي بني بدر



وارسل إلي النعمان واعرف حسابه

وصهر بني غزوان إني لذو خبر



وشبلا فسله المال واين محرش

فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر



فقاسمهم أهلي فداؤك إنهم

سيرضون ان قاسمتهم منك بالشطر



ولا تدعوني للشهادة انني أغيب

ولكني أري عجب الدهر



نؤوب اذا آبوا ونغزوا اذا غزوا

فاني لهم وفر ولسنا اولي وفر



اذا التاجر الداري جاء بفارة

من المسك راحت في مفارقهم تجري



وعلي أثر ذلك قام فشاطر عماله نعلا بنعل [4] ومعني هذا الشعر إن


هؤلاء الولاة قد اقترفوا جريمة السرقة، وخانوا بيت مال المسلمين ولكن الحكم بمشاطرة أموالهم لا يلائم السنة، وإنما الواجب يقضي بتقديمهم إلي ساحة القضاء، فان ثبتت خيانتهم فلابد من اقامة الحد عليهم، ومصادرة الاموال التي اختلسوها، ولا وجه لمشاطرتها، كما يجب عزلهم عن وظائفهم وسلب الثقة منهم. وعلي أي حال فانه بالرغم من شدة عمر ومراقبته لولاته فان هناك كانت شكوي متصلة منهم، فقد ارسل اليه بعضهم شكوي من الولاة، وخاصة علي القائمين بالخراج، وقد ارسل شكواه ببيتين من الشعر وهما:



نؤوب إذا آبوا ونغزوا اذا غزوا

فاني لهم وفر ولسنا أولي وفر



اذا التاجر الداري جاء بفارة

من المسك راحت في مفارقهم تجري [5] .



لقد لاحظ عليهم ثراءا حادثا وترفا لم يجده في غيرهم من عامة الناس ومن الطبيعي ان ذلك كان ناجما من اختلاسهم الاموال التي لم تكن خاضعة في ذلك الوقت للحساب والتدقيق. بقي هنا شئ يدعو إلي التساؤل وهو ان عمر قد استعمل الشدة والصرامة مع ولاته وعماله إلا معاوية بن أبي سفيان فان كان يحدب عليه ولم يفتح معه أي لون من الوان التحقيق، تتواتر اليه الاخبار انه قد خان بيت المال، وبالغ في السرف والبذخ فيعتذر عنه، ويقول مشيدا به: " تذكرون كسري وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية " [6] .

وليس في هدي الاسلام - والحمد لله - كسروية أو قيصرية ففي الحديث " هلك كسري، ثم لا يكون كسري بعده، وقيصر ليهلكن ثم


لا يكون قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ". لقد كان عمر يبالغ في تسديد معاوية، ويقول الرواة ان جماعة من الصحابة عرضوا عليه ان معاوية قد جافي السنة بسيرته فهو يلبس الحرير والديباج ويستعمل أواني الذهب والفضة ولا يتحرج في سلوكه عما خالف الشرع فانكر عليهم واندفع يؤنبهم قائلا: " دعونا من ذم فتي من قريش من يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده من الرضا، ولا يؤخذ من فوق رأسه إلا من تحت قدمه... " [7] .

ويقول المؤرخون: إنه ذهب إلي رفع شأنه وتسديده إلي أبعد من ذلك كله، فقد نفخ فيه روح الطموح، وهدد به أعضاء الشوري الذين انتخبهم لتعيين من يلي الامر بعده قائلا لهم: " إنكم إن تحاسدتم، وتدابرتم، وتباغضتم غلبكم علي هذا معاوية بن أبي سفيان... " [8] .

ولما أمن معاوية من العقوبة، وعرف انه ملتزم من قبل الخليفة راح يعمل في الشام عمل من يريد الملك والسلطان.


پاورقي

[1] الفتنة الکبري 1 / 20.

[2] أميمة: ام أبي هريرة.

[3] شرح ابن أبي الحديد 3 / 163.

[4] الغدير 6 / 275 - 276.

[5] فتوح البلدان (ص 384).

[6] تاريخ الطبري 6 / 114.

[7] الاستيعاب المطبوع علي هامش الاصابة 3 / 377.

[8] نهج البلاغة الطبعة الاولي 1 / 187.