بازگشت

سياسته الداخلية


وجهد عمر علي فرض سلطانه بالقوة والعنف، فخافه القريب والبعيد وبلغ من عظيم خوفهم ان امرأة جاءت تسأله عن امر، وكانت حاملا، ولشدة خوفها منه اجهضت حملها [1] وكان شديدا بالغ الشدة، خصوصا مع من كان يعتد بنفسه، يقول الرواة: إنه كان يقسم مالا بين المسلمين ذات يوم، وقد ازدحم الناس عليه فأقبل سعد بن أبي وقاص، وبلاؤه معروف في فتح فارس، فزاحم الناس حتي خلص إلي عمر، فلما رأي اعتداده بنفسه علاه بالدرة، وقال: لم تهب سلطان الله في الارض، فاردت أن أعلمك أن سلطان الله لا يهابك، وقصته مع جبلة تدل علي


مدي صرامته وشدته، فقد أسلم جبلة وأسلم من كان معه، وفرح المسلمون بذلك، وحضر جبلة الموسم، وبينما يطوف حول البيت إذ وطأ ازاره رجل من فزارة فحله فانف جبلة وسارع إلي الفزاري فلطمه، فبلغ ذلك عمر فاستدعي الفزاري، وأمر جبلة أن يقيده من نفسه أو يرضيه، وضيق عليه في ذلك غاية التضييق، فارتد جبلة وخرج عن الاسلام وولي إلي هرقل فاحتفي به وأضفي عليه النعم، إلا أن جبلة كان يبكي أمر البكاء علي ما فاته من شرف الاسلام وقد اعرب عن حزنه وأساه بقوله:



تنصرت الاشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر



تكنفني منها لجاج ونخوة

وبعت لها العين الصحيحة بالعور



فياليت أمي لم تلدني وليتني

رجعت إلي القول الذي قال لي عمر



ويا ليتني أرعي المخاض بقفرة

وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر



وقد أراد عمر أن يقوده باول بادرة تبدو منه ببرة [2] محاولا بذلك اذلاله ويحدثنا ابن أبي الحديد عن شدة عمر مع أهله فيقول: كان اذا غضب علي واحد منهم لا يسكن غضبه حتي يعض علي يده عضا شديدا فيدميها [3] .

وعرض عثمان إلي شدة عمر حينما نقم عليه المسلمون، واشتدوا في معارضته فأخذ يذكرهم بغلظته وقسوته لعلهم ينتهون عنه فائلا:


" لقد وطئكم ابن الخطاب برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه فخفتموه ورضيتم به... " [4] .

ووصف الامام أمير المؤمنين (ع) بعد حفنة من السنين سياسة عمر ومدي محنة الناس فيها بقوله: " فصيرها - يعني أبا بكر في توليته لعمر - في حوزة خشناء يغلظ كلمها، ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة إن اشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض... " [5] .

وتتجافي هذه السياسة عن سيرة الرسول (ص) وسياسته، فقد سار بين الناس بالرفق واللين، وساسهم بالرأفة والرحمة، وكان لهم كالاب الرؤف، وكان يشجب جميع مظاهر الرعب التي تبدو من بعض الناس تجاهه فقد جاءه رجل، وقد أخذته الرهبة منه، فنهزه (ص) وقال له: " انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " وقد سار (ص) بين أصحابه سيرة الصديق مع صديقه والاخ مع أخيه من دون أن يشعرهم بأن له أية مزية أو تفوق عليهم، وقد مدح الله تعالي معالي أخلاقه بقوله: " وانك لعلي خلق عظيم ".


پاورقي

[1] شرح النهج 1 / 74.

[2] البرة: حلقة من صفر توضع في أنف الجمل الشرود فيربق بها جبل يقاد به.

[3] شرح النهج 6 / 342.

[4] حياة الامام الحسن بن علي 1 / 175.

[5] نهج البلاغة 1 / 162.