بازگشت

حوار الزهراء مع أبي بكر


وضاقت الدنيا علي بضعة النبي (ص) وأرهقت ارهاقا شديدا من الاجراءات الصارمة التي اتخذها أبوبكر ضدها، ويقول الرواة إنها سلام الله عليها استقلت غضبا فلاثت خمارها، واشتملت بجلبابها، وأقبلت في لمة من حفدتها، ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلي الله عليه وآله حتي دخلت علي أبي بكر، وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاة. [1] ثم أتت أنة اجهش لها القوم بالبكاء، وارتج المجلس، فأمهلتهم حتي اذا سكن نشيجهم، وهدأت فورتهم، افتتح خطابها بحمد الله والثناء عليه، وانحدرت في خطابها كالسيل، فلم يسمع أخطب ولا أبلغ منها، وقد تحدثت في خطابها الرائع عن معارف الاسلام وفلسفته، وألقت الاضواء علي علل أحكامه، وحكم تشريعاته، وعرضت إلي ما كانت عليه حالة الامم قبل أن يشرق عليها


نور الاسلام من التناحر والانحطاط، ووهن العقول وضحالة التفكير، خصوصا الجزيرة العربية فقد منيت بالذل والهوان، فكانت علي شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبة العجلان، وموطئ الاقدام، وقد بلغت من الانحطاط في حياتها الاقتصادية إلي حد كانت الاكثرية الساحقة تقتاد القد، وتشرب الطرق، وظللت علي هذا الحال المرير ترسف في قيود الفقر، إلي أن أنقذها الله بنبيه ورسوله (ص) فدفعها إلي واحات الحضارة، وجعلها سادة الامم والشعوب، فما أعظم فضله علي العرب وعلي الناس جميعا... وعرضت سيدة النساء (ع) إلي فضل ابن عمها الامام أمير المؤمنين (ع) وجهاده المشرق في نصرة الاسلام، والذب عن حياضة في حين أن المهاجرين من قريش كانوا في رفاهية من العيش وادعين آمنين لم يكن لهم أي ضلع في نصرة القضية الاسلامية، وانما كانوا - علي حد تعبيرها - ينكصون عند النزال، ويفرون من القتال، كما كانوا يتربصون بأهل البيت الدوائر، ويتوقعون بهم نزول الاحداث وأعربت (ع) في خطابها عن أسفها البالغ علي ما مني به المسلمون من الزيغ والانحراف، والاستجابة لدواع الهوي والغرور، وتنبأت عمار سيواجهون من الاحداث الخطيرة والكوارث المؤلمة نتيجة لما ارتكبوه من الاخطاء والانحراف عما أراده الله منهم من التمسك بالعترة، وبعدما أدلت بهذه النقاط المشرقة عرضت إلي حرمانها من ارث أبيها رسول الله (ص) فقالت: " وانتم الآن تزعمون: ان لا أرث لي من أبي " أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ". أفلا تعلمون... - بلي قد تجلي لكم كالشمس الضاحية - أني ابنته ويها أيها المسلمون أأغلب علي تراث أبي؟ يابن أبي قحافة؟!! أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟


لقد جئت شيئا فريا أفعلي عمد تركتم كتاب الله، ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول: " وورث سليمان داود " وقال فيما اقتص من خبر يحيي بن زكريا إذ يقول: " رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا " وقال: " وأولو الارحام بعضهم أولي ببعض في كتاب الله " وقال: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين ". وقال: " إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا علي المتقين ". وزعمتم أن لا حظوة لي، ولا ارث من أبي، ولا رحم بيننا أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي. أم تقولون: هل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ ثم وجهت خطابها إلي أبي بكر فقالت له: " فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله، والزعيم محمد الموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون " ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ". واتجهت نحو فئة المسلمين تستنهض همهم، وتوقظ عزائمهم للمطالبة بحقها، والثأر لها قائلة: " يا معشر الفتية واعضاد الملة، وحضنة الاسلام ما هذه الغميزة في حقي، والسنة عن ظلامتي؟!! أما كان رسول الله أبي يقول: " المرء يحفظ في ولده " سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا هالة، ولكم طاقة بما أحاول وقوة علي ما أطلب وأزاول، أتقولون: مات محمد فخطب جليل استوسع وهيه، واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الارض لغيبته، وكسفت


الشمس والقمر، وانتشرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال وخشعت الجبال، واضيع الحريم، وأديلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبري والمصيبة العظمي التي لا مثلها نازلة، ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا، وتلاوة والحانا ولقبله ما حلت بانبياء الله ورسله، حكم فصل وقضاء حتم، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسول أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ". وأخذت تحفز الانصار، وتذكرهم بجهادهم المضئ وكفاحهم المشرق في نصرة الاسلام وحماية أهدافه ومبادئه، طالبة منهم الانتفاضة والثورة علي قلب الحكم القائم قائلا: " ايها بني قيلة [2] أأهضم تراث أبي وأنتم بمرئ ومسمع ومنتدي ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والاداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة [3] توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فال تغيثون، وانتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا - أهل البيت - قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الامم وكافحتم البهم، فلا نبرح وتبرحون نأمركم فتائمرون، حتي اذا دارت بنا رحي الاسلام، ودر حلب الايام وخضعت نعرة الشرك، وسكنت فورة الافك، وخمدت نيران الكفر وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين فان جرتم [4] بعد البيان وأسررتم بعد الاعلان، ونكصتم بعد الاقدام، واشركتم بعد الايمان، بؤسا


لقوم (نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة) أتخشونهم؟ " والله أحق أن تخشوه ان كنتم مؤمنين ". ولما رأت وهن الانصار، وتخاذلهم وعدم استجابتهم لنداء الحق، وجهت لهم أعنف اللوم، وأشد العتب والتقريع قائلة: " ألا وقد قلت: ما قلت: علي معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، وبثة الصدر، ونفثة الغيظ، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقية الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله، وشنار الابد، موصومة ب " نار الله الموقدة التي تطلع علي الافئدة انها عليها موصدة " فبعين الله ما تفعلون " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". وأنا ابنة نذيركم بين يدي عذاب شديد " فاعملوا انا عاملون، وانظروا إنا منتظرون " [5] .

وقد وجلت القلوب، وخشعت الابصار، وبخعت النفوس، وأوشكت أن ترد شوارد الاهواء، ويرجع الحق إلي نصابه ومعدنه، إلا أن ابا بكر قد استطاع بلباقته الهائلة، وقابلياته الدبلوماسية ان يسيطر علي الموقف وينقذ حكومته من الانقلاب، وقد قابل بضعة الرسول (ص) بكل تكريم واحتفاء واظهر لها انه يخلص لها اكثر مما يخلص لابنته عائشة، وانه يكن لها في اعماق نفسه الاحترام والتقدير، كما اظهر لها حزنه العميق علي وفاة ابيها رسول الله (ص) وانه ود ان يكون مات قبل موته، وعرض لها انه لم يتقلد منصب الحكم ولم يتخذ معها الاجراءات الصارمة عن رأيه الخاص، وإنما كان عن رأي المسلمين واجماعهم، وقد جلب له بذلك القلوب بعد ما نفرت منه، واخمد نار الثورة وقضي علي جميع معالمها.



پاورقي

[1] الملاءة: الازار.

[2] بنو قيلة: هم الآوس والخزرج من الانصار.

[3] الجنة - بالضم - ما يستتر به من السلاح.

[4] جرتم: أي ملتم.

[5] اعلام النساء 3 / 1208، بلاغات النساء (ص 12 - 19).