بازگشت

ارغامه علي البيعة


وأجمع رأي القوم علي ارقام الامام (ع) وقسره علي البيعة لابي بكر فأرسلوا حفنة من الشرطة فأحاطت بداره، وأخرجوه منها، وهو مهان الجانب، وجئ به إلي ابي بكر، فصاح القوم به بعنف: " بايع أبا بكر ". فأجابهم الامام بمنطقة الفياض، وهو غير وجل من جبروتهم وسطوتهم قائلا: " أنا أحق بهذا الامر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الامر من الانصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (ص) وتأخذونه منا أهل البيت غضبا!! ألستم زعمتم للانصار أنكم أولي بهذا الامر منهم لما كان محمد (ص) منكم فاعطوكم المقادة، وسلموا إليكم الامارة؟ وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به علي الانصار، نحن اولي برسول الله حيا وميتا، فانصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون... ". ووضع الامام (ع) النقاط علي الحروف بهذا الاحتجاج الرائع، ودلل علي انه اولي وأحق بالامر منهم لانه اقرب إلي النبي (ص) وألصق به من غيره، فان القرب من النبي (ص) هي الجهة التي تمسك بها القوم في التغلب علي الانصار، وهي متوفرة في الامام اكثر من غيره، فهو ابن عمر النبي (ص) وختنه علي بنته... وثار ابن الخطاب بعد


أن أعوزته الحجة في الرد علي الامام فسلك طريق العنف قائلا له: " انك لست متروكا حتي تبايع ". فزجره الامام قائلا: " احلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم امره يردده عليك غدا " وكشف (ع) السر في اندفعات ابن الخطاب وحماسه، فانه لم يقف هذا الموقف الصارم تجاه الامام الا من أجل ان ترجع اليه الخلافة وشؤون الملك بعد أبي بكر، وثار الامام، وهتف يزأر قائلا: " والله يا عمر، لا أقبل قولك ولا ابايعه ". وخاف أبوبكر من تطور الاحداث، وخشي من غضب الامام فاقبل عليه، فخاطبه بناعم القول قائلا: " إن لم تبايع فلا أكرهك ". وانبري اليه أبوعبيدة محاولا اخماد ثورته، وكسب وده قائلا له: " يابن عم انك حدث السن، وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور، ولا أري أبا بكر إلا علي هذا الامر منك وأشد احتمالا واضطلاعا به، فسلم لابي بكر هذا الامر، فانك إن تعيش ويطل بك بقاء، فأنت لهذا الامر خليق، وبه حقيق في ضلك ودينك وعلمك، وفهمك، وسابقتك، ونسبك وصهرك... ". وأثارت هذه المخاتلة والمخادعة كوامن الالم والاستياء في نفس الامام فاندفع يخاطب المهاجرين من قريش ويذكرهم مآثر أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم قائلا: " الله الله يا معشر المهاجرين!... لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره، وقعر بيته إلي دوركم، وقعور بيوتكم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه... فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به


لانا أهل البيت، ونحن أحق بهذا الامر منكم، ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعية، الدافع عنهم الامور السيئة، القاسم بينهم بالسوية، والله انه لفينا فلا تتبعوا الهوي فتصلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا.. " [1] .

ولو انهم استجابوا النداء الامام الذي فيه ضمان أكيد لصالح الامة، وصيانة لهم من الزيع والانحراف في مجالاتها العقائدية وغيرها، لجنبوا الامة كثيرا من المضاعفات السيئة ولكن هيهات من ذلك فقد انساب الانساب منذ أقدم عصوره وراء شهواته واطماعه مضحيا بكل شئ في سبيل ذلك. وعلي أي حال فان القوم لم يعوا منطق الامام وتجاهلوه، وقدموا مصالحهم الخاصة علي كل شئ.


پاورقي

[1] الامامة والسياسة 1 / 11 - 12.