بازگشت

بيعة أبي بكر


وربح أبوبكر في خطابه السالف، وكسب به الموقف، فقد أثني فيه علي الانصار، ومجد فيه جهادهم وجهودهم في خدمة الاسلام، وبذلك قد أخمد نار الثورة في نفوسهم، كما مناهم بالحكم فجعلهم الوزراء، وفند ما كان يختلج في نفوسهم من استبداد المهاجرين بالامر، واستئثارهم بالحكم وافهمهم انه انما قدم المهاجرون لان العرب لا تدين إلا لهم، وكأن هذه القضية الاسلامية الكبري من قضايا العرب وحدهم، وليس لبقية المسلمين فيها حق؟!! وههنا نكتة بارعة عمد اليها أبوبكر وهو انه جعل نفسه حاكما في هذا الامر، وجرد نفسه من جميع الاطماع السياسية، وبذلك فقد غزا نفوس الانصار، وملك قلوبهم وعواطفهم... وانبري عمر فأيد مقالة صاحبه فقال: " هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضي العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع ان تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم. ولنا بذلك علي من أبي الحجة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وامارته؟ ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورط في هلكة... ". وليس في هذاالخطاب شئ جديد سوي التأكيد لما قاله أبوبكر من أحقية المهاجرين بخلافة النبي (ص) منهم أولياؤه وعشيرته، يقول الاستاذ محمد الكيلاني: " انه احتج عليهم بقرابة المهاجرين للرسول. ومع


ذلك فقد كان واجب العدل يقضي بأن تكون الخلافة لعلي بن أبي طالب ما دامت القرابة اتخذت سندا لحيازة ميراث الرسول. لقد كان العباس أقرب الناس إلي النبي وكان أحق الناس بالخلافة ولكنه تنازل بحقه هذا لعلي، فمن هنا صار لعلي الحق وحده في هذا المنصب " [1] .

وانبري الحباب فرد علي عمر قائلا: " يا معشر الانصار املكوا عليكم امركم، ولا تسمعوا مقالة هذا واصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الامر فان ابوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الامور فأنتم - والله - أحق بهذا الامر منهم، فانه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين، انا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، انا شبل في عرينة الاسد، والله لو شئتم لنعيدنها جذعة، والله لا يرد احد علي ما اقول الا حطمت أنفه بالسيف... ". وحفل هذا الكلام بالعنف والتهديد، والدعوة إلي الحرب، واجلاء المهاجرين عن يثرب، كما عني بالاعتزاز بنفسه، والافتخار بشجاعته، وقد رد عليه عمر وصاح به قائلا: " إذا يقتلك الله ". فقال له الحباب: " بل إياك يقتل " وخاف ابوبكر من تطور الاحداث فالتفت إلي الانصار فرشح للخلافة صاحبيه عمر وابا عبيدة فاسرع اليه عمر فاجابه بلباقة قائلا: " يكون هذا وانت حي؟ ما كان احد ليؤخرك عن مقامك الذي اقامك فيه رسول الله (ص) ". - ويقول بعض المحققين -: لا نعلم انه متي اقامه رسول الله (ص)


او دلل عليه، وانما كان مع بقية اخوانه من المهاجرين جنودا في سرية اسامة، ولو كان قد رشحه لمنصب الخلافة وقامة علما ومرجعا للامة لاقامة معه في يثرب، وما اخرجه إلي ساحات الجهاد، وهو (ص) في ساعاته الاخيرة من حياته. وعلي أي حال فقد بادر اعضاء حزبه بسرعة خاطفة إلي بيعته خوفا من تطور الاحداث فبايعه عمر وبشير، واسيد بن حضير وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي، وابوعبيدة بن الجراح، وسالم مولي ابي حذيفة، وخالد ابن الوليد، واشتد هؤلاء في حمل الناس وارغامهم علي مبايعته، وكان من أشدهم اندفاعا وحماسا عمر بن الخطاب فقد جعل يجول ويصول ويدفع الناس دفعا إلي البيعة وقد لعبت درته شوطا في الميدان، وسمع الانصار وهم يقولون: " قتلتم سعدا ". فاندفع يقول بثورة وعنف: " اقتلوه قتله الله فانه صاحب فتنة " [2] .

وكادوا يقتلون سعدا، وهو مزمل وجع، وحمل إلي دارههه وهو صفر اليدين قد انهارت آماله، وتبددت احلامه، ولما تمت البيعة إلي أبي بكر اقيل به حزبه يزفونه إلي مسجد رسول الله (ص) زفاف العروس [3] .

والنبي (ص) مسجي في فراش الموت لم يغيبه عن عيون القوم مثواه قد انشغل الامام امير المؤمنين بتجهيزه، ولما علم (ع) ببيعة ابي بكر تمثل بقول القائل:


واصبح اقوام يقولون ما اشتهوا ويطغون لما غال زيدا غوائل [4] .

لقد تمت البيعة لابي بكر بهذه السرعة الخاطفة، وقد اهمل فيها رأي العترة الطاهرة ولم يعن بها، ومن ذلك اليوم واجهت جميع الوان الرزايا والنكبات، وما كارثة كربلا وغيرها من المآسي التي حلت بآل البيت (ع) الا وهي متفرعة من يوم السقيفة حسب ما نص عليه المحققون


پاورقي

[1] اثر التشيع في الادب العربي (ص 5).

[2] العقد الفريد 3 / 62.

[3] شرح النهج 2 / 8.

[4] شرح النههج 2 / 5.