بازگشت

دارسة و تحليل


ولابد لنا من وقفة قصيرة للنظر في هذا الخطاب:

1 - انه لم يعن بوفاة النبي (ص) التي هي أعظم رزية مني بها المسلمون، وأفجع كارثة تصدعت من هولها القلوب، وكان الاجدر به


أن يعزيهم بوفاة منقذهم، ويذكرهم باحسانه وبره بدينهم ودنياهم، ويدعوهم إلي القيام بتشييع جثمانه الطاهر حتي يواروه في مثواه الاخير ويعودوا بعد ذلك إلي عقد مؤتمر عام يضم جميع الطبقات الشعبية من المسلمين لينتخبوا عن ارادتهم وحريتهم من يرضونه خليفة لهم علي تقدير أن النبي (ص) لم يعهد لاحد من بعده. 2 - ان منطق هذا الخطاب هو طلب الامرة والسلطان، ولا يعني بأي شئ آخر غير ذلك، وقد عرض فيه علي الانصار أن يتنازلوا لاخوانهم المهاجرين عن الخلافة ولا ينافسوهم في شؤون الملك، ومناهم عوض ذلك أن يكونوا الوزراء إلا أنه لما تم له الامر أجحف في حقهم فلم يمنحهم أي منصب من شؤون دولته، وأقصاهم عن جميع مراتب الحكم 3 - ان هذا الخطاب قد تجاهل بالمرة حق العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم، أو كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوي حسبما يقول النبي (ص): فكان الاولي التريث بالامر حتي يتم تجهيزه (ص) ويؤخذ رأي أهل بيته في ذلك لتحمل الخلافة طابعا شرعيا، ولا توصم بالفلتة كما وصفها عمر إذ يقول: " إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقي الله المسلمين شرها " ويقول الامام شرف الدين: " فلو فرض أن لا نص بالخلافة علي أحد من آل محمد (ص) وفرض كونهم غير مبرزين في حسب أو نسب أو أخلاق أو جهاد أو علم أو عمل، أو ايمان، أو اخلاص، ولم يكن لهم السبق في مضامير كل فضل بل كانوا كسائر الصحابة، فهل كان مانع شرعي، أو عقلي، أو عرفي يمنع من تأجيل عقد البيعة إلي فراغهم من تجهيز رسول الله (ص)؟ ولو بأن يوكل حفظ الامل إلي القيادة العسكرية موقتا حتي يستتب أمر الخلافة؟ أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين؟ وهم


وديعة النبي (ص) لديهم وبقيته فيهم، وقد قال الله تعالي: " ولقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " أليس من حق هذا الرسول - الذي يعز عليه عنت الامة ويحرص علي سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - أن لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به - والجرح لا يندمل والرسول لما يقبر... " [1] .

4 - ان المنطق الذي استند اليه أبوبكر لا حقبة المهاجرين من قريش بالخلافة هو انهم أمس الناس رحما برسول الله (ص) وأقربهم اليه، وهذا الملاك علي أكمل وجوه، وأتم رحابه متوفر في أهل البيت (ع) فهم ألصق الناس به، وأمسهم به، وما أروع قول الامام أمير المؤمنين (ع): " احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة " وخاطب (ع) أبا بكر بقوله:



فان كنت بالقربي حججت خصيمهم

فغيرك أولي بالنبي وأقرب



وان كنت بالشوري ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرن غيب



ويقول الكميت:



بحقكم أمست قريش تقودنا

وبالفذ منها والرديفين نركب



وقالوا: ورثناها أبانا وأمنا

وما ورثتهم ذاك أم ولا أب



يرون لهم فضلا علي الناس وجبا

سفاها وحق الهاشميين أوجب [2] .



وعرض الامام (ع) في حديث له عن شدة قربه من النبي (ص) وبعض مواهبه فقال: " والله إني لاخوه - أي أخ النبي (ص) - ووليه، وابن عمه، ووارث علمه فمن أحق به مني... ". لقد انساب القوم وراء أطماعهم وأهوائهم، وتهالكوا علي الحكم،


والظفر بخيراته، وأعرضوا عما الزمهم به النبي (ص) من التمسك بعترته وعدم التقدم عليها، ووجوب رعايتها في كل شئ.


پاورقي

[1] النص والاجتهاد (ص 7).

[2] الهاشميات (ص 31 - 33).