بازگشت

فذلكة عمر


وشئ خطير بالغ الاهمية قام به عمر لتجميد الاوضاع، وايقاف أي عملية تؤدي إلي انتخاب من يخلف الرسول (ص)، لان زميله أبا بكر لم يكن في يثرب عند وفاة النبي (ص) وانما كان في (السنح). [1] فبعث خلفه من يأتي به إلا أنه خشي أن يتقدم إلي الساحة أحد قبل مجيئه، فانطلق بحالة رهيبة، وهو يجوب في أزقة يثرب وشوارعها ويقف عند كل تجمع من الناس، ويهز بيده سيفه، وينادي بصوت عال قائلا: " إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله (ص) قد مات، وانه والله ما مات ولكنه ذهب إلي ربه كما ذهب موسي بن عمران... والله ليرجعن رسول الله فيقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجفوا بموته ". وجعل لا يمر بأحد يقول: مات رسول الله إلا خطبه بسيفه وتهدده وتوعده [2] ، وذهل الناس، وساورتهم الاوهام والشكوك، وعصفت بهم أمواج رهيبة من الحيرة فلا يدرون أيصدقون مزاعم عمر بحياة النبي صلي الله عليه وآله وهي من أعز ما يأملون، ومن أروع ما يحملون؟


أم يصدقون ما عاينوه من جثمان النبي (ص) وهو مسجي بين أهله لا حراك فيه؟!! ويستمر عمر يبرق ويرعد حتي " أزبد شدقاه " وهو يتهدد بالقتل ويتوعد بقطع الايدي والارجل ممن أرجف بموت النبي (ص) إلا انه لم يمض قليل من الوقت حتي جاء خدنه وصاحبه أبوبكر من (السنح) فانطلق مع إلي بيت النبي (ص) فكشف أبوبكر الرداء عن وجه رسول الله صلي الله عليه وآلهه ليتحقق وفاته، وبعدما اطمئن بموته خرج إلي الناس وهو يفند مزاعم عمر، والتفت إلي الجماهير الحائرة التي أخرسها الخطب بموت منقذها العظيم قائلا: " من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت... وتلا قوله تعالي: " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي اعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ". ولم يلبث عمر ان أسرع إلي الاذعان والتصديق، وانبري يقول: " فوالله ما هو الا اذا سمعتها فعقرت حتي وقعت علي الارض ما تحملني رجلاي، وقد علمت أن رسول الله قد مات " [3] .


پاورقي

[1] السنح: محل يبعد عن المدينة بميل، وقيل هو أحد عواليها، ويبعد عنها بأربعة أميال.

[2] شرح النهج لابن أبي الحديد.

[3] الکامل 2 / 219.