بازگشت

بواعث المؤتمر


أما البواعث التي أدت إلي تسابق الانصار إلي عقد مؤتمرهم بتلك السرعة الخاطفة، وعدم التريث في الامر حتي يواري النبي (ص) في مثواه الاخير فهي: 1 - بوضوح - بوادر التمرد، فقد امتنعوا من الالتحاق بسرية أسامة وحالوا بين النبي (ص) وبين ما رامه من الكتابة التي وصفها بأنها تضمن لامته سعادتها وأصالتها. وأكبر الظن ان الانصار وقفوا علي حقد المهاجرين وكراهيتهم للامام قبل وفاة النبي (ص) بزمان بعيد، وانهم لا يخضعون لحكمه، ولا يرضون بسلطانه لان الامام قد وترهم، وحصد رؤوس أعلامهم، يقول عثمان بن عفان للامام:


" ما أصنع ان كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين رجلا كأن وجوههم شنوف الذهب تصرع آنافهم قبل شفاههم " [1] .

ودلل عثمان علي مدي لوعة قريش وحزنها علي من قتل منها في واقعة بدر من الرجال الذين كانت وجوههم شبيهة بشنوف الذهب لنضارتها وحسنها وقد صرعت أنافهم ذلا قبل شفاههم، ومما لا شك فيه انها كانت تري الامام (ع) هو الذي وترها، فهي تطالبه بذحلها والدماء التي سفكها، يقول الكناني محرضا لقريش علي الوقيعة بالامام والطلب بثأرها منه:



في كل مجمع غاية أخزاكم

جذع أبر علي المذاكي القرح



لله دركم ألما تذكروا

قد يذكر الحر الكريم ويستحي



هذا ابن فاطمة [2] الذي أفناكم

ذبحا بقتله بعضه لم يذبح



اين الكهول واين كل دعامة

في المعضلات واين زين الابطح [3] .



ويروي ابن طاووس عن أبيه يقول: قلت لعلي بن الحسين (ع): ما بال قريش لا تحب عليا؟ فأجابه (ع) " لانه أورد أولهم النار والزم آخرهم العار... " [4] .

وعلي أي حال فان الانصار قد علمت أن المهاجرين من قريش يدبرون المؤامرات ويبغون الغوائل للامام، وانهم لا يرضون بحكمه، وقد أعلنوا ذلك يوم غدير خم فقد قالوا: " لقد حسب محمد أن هذا الامر قد تم لابن عمه وهيهات أن يتم " وقد أيقن الانصار انهم سيصيبهم الجهد والعناء ان استولي المهاجرون علي زمام الحكم، وذلك بسبب مودتهم للامام، فلذلك


بادروا إلي عقد مؤتمرهم، والعمل علي ترشيح أحدهم للخلافة. 2 - واستبان للانصار فيما أخبر به النبي (ص) أن أهل بيته لا ينالون الخلافة، وانهم المستضعفون من بعده، فقد روي شيخ الامامية الشيخ المفيد أنه بقي عند النبي (ص)، في مرضه عمه العباس، وابنه الفضل، وعلي ابن أبي طالب، وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: إن يكن هذا الامر مستقرا فينا من بعدك فبشرنا، وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوصي بنا فقال (ص): " أنتم المستضعفون من بعدي " [5] وسبق النبي (ص) أن أذاع ذلك بين المسلمين فاحتاطت الانصار لانفسها فبادرت لعقد مؤتمرها للاستيلاء علي الحكم لئلا يسبقهم إليه المهاجرون من قريش. 3 - ان الانصار كانوا العمود الفقري للقوات الاسلامية المسلحة وقد أنزلوا الضربات القاصمة بالقرشيين فأبادوا اعلامهم وأشاعوا في بيوتهم الحزن والحداد في سبيل الاسلام، وقد علموا ان الامر اذا استتب للقرشيين فانهم سيمعنون في قهرهم واذلالهم طلبا بثأرهم وقد أعلن ذلك الحباب بن المنذر بقوله: " لكننا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم واخوانهم " وتحقق هذا التنبؤ فانه لم يكد ينتهي حكم الخلفاء القصير الامد حتي آل الحكم إلي الامويين فسعوا جاهدين في اذلال الانصار وقهرهم واشاعة الفقر والحاجة فيهم، وقد بالغ معاوية في الانتقام منهم، ولما ولي الامر من بعده يزيد جهد علي الوقيعة بهم فأباح أموالهم ودماءهم وأعراضهم بجيوشه في واقعة الحرة التي لم يشاهد التاريخ لها نظيرا في فظاعتها وقسوتها. هذه بعض العوامل التي أدت إلي مبادرة الانصار لعقد مؤتمرهم الذي أحاطوه بكثير من السر والكتمان.



پاورقي

[1] شرح النهج 9 / 22.

[2] فاطمة: هي بنت أسد أم الامام أمير المؤمنين.

[3] شرح النهج.

[4] معجم ابن الاعرابي 4 / 16.

[5] الارشاد (ص 99).