بازگشت

فزع العترة الطاهرة


وفزعت العترة الطاهرة من موت الرسول (ص) كأشد وأقسي ما يكون الفزع فقد خافت من انتفاض العرب الذين وترهم الاسلام عليها فان نزعة الاخذ بالثأر متأصلة وذاتية عند العرب وغيرهم، وقد كانت قلوبهم مليئة بالحقد والكراهية لاسرة النبي (ص) يتربصون بها الدوائر، ويبغون لها الغوائل للانتقام منها، وكانوا يرون ان عليا هو الذي وترها وأطاح برؤوس أبنائها، فهي تتطلع اليه للاخذ بثأرها منه، وقد أيقن علي


وسائر أفراد اسرته بذلك، فقد باتوا ليلة وفاة النبي (ص) وهم يتوسدون الارق، قد أحاطت بهم الهواجس، والآلام، وقد حكي مدي ذعرهم الامام الصادق عليه السلام بقوله: " لما مات النبي (ص) بات أهل بيته كأن لا سماء تظلهم ولا ارض تقلهم لانه وتر الاقرب والابعد... " [1] .

وقد عاني الامام الحسين (ع) وهو في سنه المبكر هذه المحنة الكبري وعرف أبعادها، وما تنطوي عليه من الرزايا التي ستعانيها اسرته، كما انه قد فقد بموت جده العطف الذي كان يغدقه عليه، وقد اضناه ما حل بأبويه من فادح الاسي والحزن بموت الرسول (ص) وقد ترك ذلك اسي في نفسهه استوعب مشاعره وعواطفه. لقد مضي الرسول (ص) إلي جنة المأوي، وكان عمر الامام الحسين عليه السلام - فيما يقول المؤرخون - ست سنين وسبعة أشهر [2] وقد تكاملت في ذلك الدور جميع مظاهر شخصيته وعرف واقع الاحداث التي جرت وما دبره القوم من المخططات الرهيبة لصرف الخلافة عن اهل البيت (ع)، فقد تركوا جنازة نبيهم غير حافلين بها وذهبوا يختصمون علي الحكم ويتنازعون علي السلطان، وقد عرفته تلك الاحداث طبيعة المجتمع وسائر غرائزه واتجاهاته، فأعلن (ع) رأيه فيه بقوله: " الناس عبيد الدنيا والدين لعق علي السنتهم يحيطونه حيث ما دارت معائشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون، وهذه الظاهرة الذاتية سائدة في جميع انحاء المجتمع لا تتخلف في جميع ادوار التاريخ.


لقد حفلت وفاة النبي (ص) باحداث رهيبة بالغة الخطورة كان من أفجعها وأقساها ابعاد العترة الطاهرة عن الشؤون السياسية في البلاد وجعلها في معزل عن واقع الحياة الاجتماعية، في حين ان الامة لم تكن بأي حال في غني عن ثرواتها الفكرية والعلمية المستمدة من الرسول الاعظم (ص) كما ان الهزات العنيفة التي منيت بها الامة إنما جاءت نتيجة حتمية لفصل الخلافة عن أهل البيت، فقد انتشرت الاطماع السياسية بشكل سافر عند كثير من الصحابة مما أدي إلي تشكيلهم للاحزاب النفعية التي لم تكن تنشد في مخططاتها السياسية سوي الوصول إلي الحكم والتنعم بخيرات البلاد. وعلي أي حال فان موت الرسول (ص) كان من أفجع الكوارث الاجتماعية التي دهمت المسلمين، وقد حكي الذكر الحكيم مدي خطورتها قال تعالي: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا "، وقد تحقق هذا الانقلاب الخطير الذي عناه الله علي مسرح الحياة العامة، وكان من أفجع أنواعه ابادة العترة الطاهرة علي صعيد كربلاء، ورفع رؤوس أبناء النبي (ص) علي الحراب وسبي مخدرات الرسالة يطاف بها في الاقطار والامصار.



پاورقي

[1] بحار الانوار ج 6 / باب وفاة النبي.

[2] منهاج السنة 3 / 11، وجاء فيه ان النبي (ص) مات ولم يکمل الحسين سبع سنين.