بازگشت

الي جنة المأوي


وآن الوقت لتلك الروح العظيمة التي لم يخلق الله نظيرا لها فيما مضي


من سالف الزمن وما هو آت، أن تفارق هذهه الحياة لتنعم بجوار الله ولطفه، وجاء ملك الموت فاستأذن بالدخول علي الرسول (ص) فأخبرته الزهراء بأن رسول الله (ص) مشغول بنفسه عنه، فانصرف، وعاد بعد قليل يطلب الاذن، فأفاق الرسول (ص) من اغمائه، وقال لابنته: " أتعرفيه؟ ". " لا يا رسول الله ". " انه معمر القبور، ومخرب الدور، ومفرق الجماعات ". وقد قلب الزهراء (ع) وأحاط بها الذهول وأخرسها الخطب، واندفعت تقول: " واويلتاه لموت خاتم الانبياء، وامصيبتاه لممات خير الاتقياء، ولانقطاع سيد الاصفياء، واحسرتاه لانقطاع الوحي من السماء، فقد حرمت اليوم كلامك... ". وتصدع قلب النبي (ص) واشفق علي بضعته فقال لها: " لا تبكي فانك اول أهلي لحوقا بي " [1] .

واذن النبي (ص) بالدخول لملك الموت، فلما مثل أمامه قال له: " يا رسول الله، ان الله أرسلني اليك، وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها وإن أمرتني ان اتركها تركتها... " فبهر النبي (ص) وقال له: " أتفعل يا ملك الموت ذلك؟ ". " بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني ". وهبط جبرئيل علي النبي (ص) فقال له:


" يا أحمد ان الله قد اشتاق اليك " [2] .

واختار النبي (ص) جوار ربه، فاذن لملك الموت بقبض روحه العظيمة ولما علم أهل البيت (ع) ان النبي (ص) سيفارقهم في هذه اللحظات خفوا إلي توديعه وجاء السبطان فالقيا بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبي (ص) يوسعهما تقبيلا فأراد أمير المؤمنين (ع) أن ينحيهما عنه فأبي النبي (ص) وقال له: " دعهما يتمتعان مني واتمتع منهما فستصيبهما بعدي إثرة... ". ثم التفت إلي عواده فقال لهم: " قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي انهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض... " [3] .

وقال لوصيه وباب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين (ع): " ضع رأسي في حجرك فقد جاءك أمر الله، فاذا فاضت نفسي فتناولها وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلي القبلة، وتولي أمري، وصل علي أول الناس ولا تفارقني حتي تواريني في رمسي، واستعن بالله عزوجل... ". وأخذ امير المؤمنين رأس النبي (ص) فوضعه في حجره، ومديده اليمني تحت حنكه، وقد شرع ملك الموت بقبض روحه الطاهرة، والرسول صلي الله عليه وآله يعاني آلام الموت وشدة الفزع حتي فاضت روحه الزكية فمسح بها الامام وجهه [4] .


ومادت الارض، وخبا نور العدل والحق، ومضي من كانت حياته رحمة ونورا للناس جميعا، فما اصيبت الانسانية بكارثة اقسي من هذه الكارثة لقد مات القائد والمنقذ والمعلم، واحتجب ذلك النور الذي أضاء الطريق للانسان وهداه إلي سواء السبيل. ووجم المسلمون وطاشت أحلامهم، وعلاهم الفزع، والجزع، والذعر وهرعت نساء المسلمين، وقد وضعن أزواج النبي الجلالبيب عن رؤوسهن يلتدمن صدورهن، ونساء الانصار قد ذبلت نفوسهن من الحزن وهن يضربن الوجوه حتي ذبحت حلوقهن من الصياح [5] .

وكان أكثر أهل بيته لوعة، وأشدهم حزنا بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) فقد وقعت علي جثمانه، وهي تبكي أمر البكاء وأقساه، وهي تقول: " وا أبتاه، وا رسول الله، وا نبي الرحمتاه، الآن لا يأتي الوحي الآن ينقطع عنا جبرئيل، اللهم الحق روحي بروحه، واشفعني بالنظر إلي وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة " [6] .

وأخذت تجول حول الجثمان العظيم، وهي تقول: " وا أبتاه إلي جبرئيل أنعاه... وا أبتاه جنة الفردوس مأواه... وا أبتاه أجاب ربا دعاه!! " [7] .


وهرع المسلمون وهم ما بين واجم ونائح قد مادت بهم الارض وذهلوا حتي عن نفوسهم قد عرتهم الحيرة والذهول.


پاورقي

[1] درة الناصحين (ص 66).

[2] طبقات ابن سعد 2 / 48.

[3] مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 114.

[4] المناقب 1 / 29، وتضافرت الاخبار بأن رسول الله (ص) توفي ورأسه في حجر علي انظر کنز العمال 4 / 55، طبقات ابن سعد وغيرهما.

[5] أنساب الاشراف ق 1 / ج 1 / 574.

[6] تاريخ الخميس 2 / 192.

[7] سير أعلام النبلاء 2 / 88، سنن ابن ماجة وجاء فيه ان حماد ابن زيد، قال: رأيت ثابت راوي الحديث حينما يحدث به يبکي حتي تختلف أضلاعه.