بازگشت

فجيعة الزهراء


ونخب الحزن قلب بضعة الرسول (ص) وريحانته، وبرح بها الالم وأضناها الاسي حينما علمت أن أباها مفارق لهذه الحياة فقد جاءت اليه تتعثر بخطاها وهي مذهولة كأنها تعاني الآم الاحتضار فجلست إلي جانبه وهي محدقة بوجهه وسمعته يقول: " واكرباه ". ويمتلئ قلبهاه الطاهر بالاسي والحزن والحسرات فتسرع اليه قائلة: " واكربي لكربك يا أبنتي ". فاشفق الرسول (ص) حينما رأي حبيبته كأنها صورة جثمان قد فارقته الحياة فقال لها مسليا: " لا كرب علي أبيك بعد اليوم " [1] .

فكانت هذه الكلمات أشد علي نفسها من هول الصاعقة فقد علمت أن أباها سيفارقها، ورأها النبي (ص) وهي ولهي حائرة، قد خطف


الحزن لونها وهامت في تيارات مذهلة من الاسي فأراد أن يسليها فأمرها بالدنو اليه واسر اليها بحديث فلم تملك نفسها ان غامت عيناها بالدموع ثم أسر اليها ثانية فقابلته ببسمات فياضة بالبشر والسرور، وعجبت عائشة من ذلك وراحت تقول: " ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن!! ". وسألتها عائشة عما أسر اليها أبوها فاشاحت بوجهها عنها وأبت أن تخبرها، ولما انصرمت الايام أخبرت سلام الله عليها عن ذلك فقالت أخبرني: " إن جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وانه عارضني في هذا العام به مرتين ولا أراه الا قد حضر أجلي... ". وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها، وأما سبب سرورها وابتهاجها فتقول أخبرني: " إنك أول أهل بيتي لحوقا بي، ونعم السلف أنا لك... الا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة... " [2] .

لقد كان السبب في اخماد لوعتها اخباره لها أنها اول أهل بيته لحوقا به، وأخذ (ص) يخفف عنها لوعة المصاب قائلا لها: " يا بنية لا تبكي، واذا مت فقولي انا لله وإنا اليه راجعون، فان فيها من كل ميت معوضة ". وقالت له بصوت خافت حزين النبرات: " ومنك يا رسول الله؟ ". " نعم ومني " [3] .


واشتد الوجع برسول الله (ص) فجعلت تبكي وتقول لابيها: أنت والله كما قال القائل:



وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامي عصمة للارامل



وأفاق رسول الله (ص) فقال لها: هذا قول عمك أبي طالب: وقرأ قوله تعالي: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " [4] .

وروي انس بن مالك قال: جاءت فاطمة ومعها الحسن والحسين إلي النبي (ص) في مرضه الذي قبض فيه فانكبت عليه، والصقت صدرها بصدره وهي غارقة في البكاء فنهاها النبي عن ذلك فانطلقت إلي بيتها والنبي تسبقه دموعه، وهو يقول: " اللهم أهل بيتي، وأنا مستودعهم كل مؤمن... ". وجعل يتردد ذلك ثلاث مرات وهو مثقل بالهم لعلمه بما سيجري عليهم من المحن والخطوب.


پاورقي

[1] حياة الامام الحسن 1 / 112.

[2] حياة الامام الحسن 1 / 113.

[3] انساب الاشراف ج 1 ق 1 ص 133.

[4] أنساب الاشراف ج 1 ق 1 (133).