بازگشت

رزيه يوم الخميس


واستشف الرسول (ص) من التحركات السياسية التي صدرت من أعلام صحابته انهم يبغون لاهل بيته الغوائل، ويتربصون بهم الدوائر، وانهم مجمعون علي صرف الخلافة عنهم، فرأي (ص) أن يصون امته من الزيغ، ويحميها من الفتن فقال (ص):


" إئتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " [1] .

وهل هناك نعمة علي المسلمين اعظم من هذه النعمة؟ إنه ضمان من سيد الانبياء - الذي لا ينطق عن الهوي - ان لا تضل امته في مسيرتها، وتواكب الحق وتهتدي إلي سواء السبيل. انه صيانة لتوازن الامة، واستقامتها، وضمان لرخائها وامنها، وتطور لحياتها. انه التزام من سيد الكائنات بان لا تصاب امته بنكسة أو ازمة في ميادينها السياسية والاقتصادية. حقا انها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تاريخ هذه الامة، ولكن القوم لم يستغلوها، فقد علموا قصد الرسول (ص) وانه سينص علي باب مدينة علمه وأبي سبطيه، وتضيع بذلك اطماعهم ومصالحهم فرد عليه أحدهم: " حسبنا كتاب الله.. " ولو كان هذا القائل يحتمل أن النبي (ص) يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة علي الشؤون الدينية لما رد عليه بهذه الجرأة، ولكنه علم قصده من النص علي خلافة امير المؤمنين. وكثر الخلاف بين القوم فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به الرسول، وطائفة اخري اصرت علي معارضتها خوفا علي فوات مصالحها، وانطلقت النسوة من وراء الستر فأنكرن عليهم هذا الموقف المتسم بالجرأة علي النبي صلي الله عليه وآله وهو في ساعاته الاخيرة من حياته، فقلن لهم: " ألا تسمعون ما يقول رسول الله؟!! ". فثار عمر وصاح فيهن خوفا علي الامر ان يفلت منهم فقال لهن:


" إنكن صويحبات يوسف اذا مرض عصرتن اعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه... ". فرمقه الرسول وصاح به. " دعوهن فانهن خير منكم... ". وبدا صراع رهيب بين القوم، وكادت أن تفوز الجبهة التي ارادت تنفيذ ما أمر به الرسول (ص)، فانبري احدهم فسدد سهما لما رامه النبي (ص) وأفسد عليه ما أراد قائلا: " ان النبي ليهجر... " [2] .

لقد انستهم الاطماع السياسية مقام النبي (ص) الذي زكاه الله وعصمه من الهجر وغيره مما ينقص الناس. ألم يسمعوا كلام الله يتلي عليهم في اناء الليل واطراف النهار، وهو يعلن تكامل النبي (ص) وتوازن شخصيته، قال تعالي: " ما ضل صاحبكم وما غوي وما ينطق عن الهوي ان هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوي " وقال تعالي: " انه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ". لقد وعي القوم آيات الكتاب في حق نبيهم لم يخامرهم شك في عصمته وتكامل شخصيته، ولكن الاطماع السياسية دفعتهم إلي هذا الموقف الذي يحز في نفس كل مسلم، وكان ابن عباس اذا ذكر هذا الحادث الرهيب


يبكي حتي تسيل دموعه علي خديه كأنها نظام اللؤلؤ، وهو يصعد آهاته ويقول: " يوم الخميس، وما يوم الخميس؟!! قال رسول الله (ص): إئتوني بالكتف والدواة: أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: إن رسول الله يهجر... " [3] .

حقا انها رزية الاسلام الكبري فقد حيل بين المسلمين وبين سعادتهم وتقدمهم في ميادين الحق والعدل.


پاورقي

[1] الرواية أخرجه الطبراني في الاوسط، والبخاري، ومسلم وغيرهم.

[2] نص علي الحادثة المؤلمة جميع المؤرخين في الاسلام، وذکرها البخاري في صحيحه عدة مرات في 4 / 68 و 69، و 6 / 8، الا انه کتم اسم القائل، وفي نهاية غريب الحديث، وشرح النهج المجلد الثالث (ص 114) تصريح باسمه.

[3] مسند أحمد 1 / 355 وغيره.