بازگشت

سرية اسامة


واستبانت التيارات الحزبية للرسول (ص) وايقن انها جادة في


مخططاتها الرامية لصرف الخلافة عن اهل البيت (ع) فرأي ان خير وسيلة يتدارك بها الموقف ان يبعث بجميع اصحابه لغزو الروم حتي تخلو عاصمته منهم ليتم الامر إلي ولي عهده الامام أمير المؤمنين (ع) بسهولة ويسر، فامر اعلام المهاجرين والانصار بذلك وكان منهم - فيما يقول المؤرخون - ابوبكر وعمر وأبوعبيدة الجراح وبشير بن سعد [1] وأمر عليهم اسامة ابن زيد وهو شاب حدث السن، وكانت هذه البعثة سنة احدي عشرة للهجرة لاربع ليال بقين من صفر، وقال (ص) لاسامة: " سر إلي موضع قتل ابيك فاوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا علي اهل ابني [2] وحرق عليهم، واسرع السير لتسبق الاخبار فان اظفرك الله عليهم فاقلل اللبث فيهم، وخذ معك الادلاء، وقدم العيون والطلائع معك... " وفي اليوم التاسع والعشرين من صفر رأي جيشه قد مني بالتمرد فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسكرية فساءه ذلك، وخرج مع ما به من المرض الشديد فحثهم علي المسير، وعقد بنفسه اللواء لاسامة وقال له: " اغز بسم الله، وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله... ". فخرج اسامة بلوائه معقودا ودفعه إلي بريدة، وعسكر ب (الجرف) وتثاقل فريق من الصحابة من الالتحاق بالمعسكر، واظهر الطعن والاستخفاف بالقائد العام للجيش يقول له عمر:


" مات رسول الله (ص) وأنت علي أمير؟!! ". وانتهت كلماته إلي النبي (ص) وقد ازدادت به الحمي وأخذ منه الصداع القاسي مبلغا عظيما، فغضب (ص) وخرج وهو معصب الرأس قد دثر بقطيفته، وقد برح به الاسي والحزن، فصعد المنبر وأظهر سخطه علي عدم تنفيذ أوامره قائلا: " أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة؟ ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في تأميري أباه من قبلهه، وأيم الله انه كان لخليقا بالامارة وان ابنه من بعده لخليق بها.. " ثم نزل عن المنبر ودخل بيته [3] وجعل يوصي اصحابه بالالتحاق باسامة وهو يقول لهم: " جهزوا جيش اسامة ". " نفذوا جيش اسامة ". " لعن الله من تخلف عن جيش اسامة ". ومن المؤسف أنه لم تثر هذه الاوامر المشددة حفائظ نفوسهم، ولم يرهف عزائمهم هذا الاهتمام البالغ من النبي (ص) فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجيش واعتذروا للرسول (ص) بشتي المعاذير، وهو لم يمنحهم العذر وانما أظهر لهم السخط وعدم الرضا، وقد حللنا أبعاد هذه الحادثة المؤلمة ودللنا علي مقاصد القوم في الجزء الاول من كتابنا " حياة الامام الحسن ابن علي ".



پاورقي

[1] کنز العمال 5 / 312، طبقات ابن سعد 4 / 46، تاريخ الخميس 2 / 46.

[2] ابني - بضم الهمزة وسکون الباء، ثم نون مفتوحة بعدها الف مقصورة - ناحية بالبلقاء من أرض سوريا بين عسقلان والرملة تقع بالقرب من موتة التي استشهد فيها زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب.

[3] السيرة الحلبية 3 / 34.