بازگشت

مؤتمر غدير خم


ولما انتهي الرسول (ص) من حجة قفل راجعا إلي يثرب، وحينما

انتهي موكبه إلي غدير خم، هبط عليه أمين الوحي يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة، تحتم عليه بأن يحط رحله ليقوم باداء هذه المهمة الكبري وهي نصب الامام امير المؤمنين (ع) خليفة ومرجعا للامة من بعده، وكان أمر السماء بذلك يحمل طابعا من الشدة ولزوم الاسراع في اذاعة ذلك بين المسلمين، فقد نزل عليه الوحي بهذهه الآية: " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس " [1] .

لقد أنذر النبي (ص) انه ان لم ينفذ ارادة السماء ذهبت أتعابه، وضاعت جهوده وتبدد ما لاقاه من العناء في سبيل هذا الدين فاتبري (ص) بعزم ثابت وارادة صلبة إلي تنفيذ ارادة الله، فوضع اعباء المسير وحط رحله في رمضاء الهجير، وأمر القوافل أن تفعل مثل ذلك، وكان الوقت قاسيا في حرارته حتي كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتقي به من


الحر، وأمر (ص) باجتماع الناس فصلي بهم، وبعد ما انتهي من الصلاة أمر أن توضع حدائج الابل لتكون له منبرا ففعلوا له ذلك، فاعتلي عليها وكان عدد الحاضرين - فيما يقول المؤرخون - مائة الف أو يزيدون، وأقبلوا بقلوبهم نحو الرسول (ص) ليسمعوا خطابه فاعلن (ص) ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وانقاذهم من الحياة الجاهلية إلي الحياة الكريمة التي جاء بها الاسلام، كما ذكر لهم كوكبة من الاحكام الدينية والزمهم بتطبيقها علي واقع حياتهم، ثم قال لهم: " انظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ ". فناداه مناد من القوم. " ما الثقلان يا رسول الله؟ ". فقال (ص): " الثقل الاكبر كتاب الله طرف بيد الله عزوجل وطرف بايديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الاصغر عترتي، وان اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا... ". ثم أخذ بيد وصيه وباب مدينة علمه الامام امير المؤمنين (ع) ليفرض ولايته علي الناس جميعا، حتي بان بياض ابطيهما، ونظر اليهما القوم، فرفع (ص) صوته قائلا: " يا أيها الناس، من أولي الناس بالمؤمنين من انفسهم؟؟ ". فاجابوه جميعا " الله ورسوله أعلم ". فقال (ص): " ان الله مولاي، وأنا مولي المؤمنين، وأنا أولي بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه " قال ذلك ثلاث مرات أو اربع، ثم قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واحب من أحبه، وأبغض


من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب... ". وبذلك أنهي خطابه الشريف الذي أدي فيه رسالة الله، فنصب أمير المؤمنين (ع) خليفة، وأقامه علما للامة، وقلده منصب الامامة، وأقبل المسلمون يهرعون، وهم يبايعون الامام بالخلافة، ويهنئونه بامرة المسلمين وأمر النبي (ص)، امهات المؤمنين ان يسرن اليه ويهنئنه ففعلن ذلك [2] ، وأقبل عمر بن الخطاب فهنأ الامام وصافحه وقال له: " هنيئا يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي، ومولي كل مؤمن ومؤمنة " [3] .

وانبري حسان بن ثابت فاستأذن النبي (ص) بتلاوة ما نظمه فاذن له النبي (ص) فقال:



يناديهم يوم الغدير نبيهم

نجم واسمع بالرسول مناديا



فقال فمن مولاكم ونبيكم؟

فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا



الهك مولانا وأنت نبينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا



فقا له: قم يا علي فانني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا



فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له اتباع صدق مواليا



هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادي عليا معاديا [4] .



ونزلت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الاسلام هذه الآية الكريمة


" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا... " [5] .

لقد كمل الدين بولاية أمير المؤمنين، وتمت نعمة الله علي المسلمين بسمو أحكام دينهم، وسموا قيادتهم التي تحقق آمالهم في بلوغ الحياة الكريمة وقد خطا النبي (ص) بذلك الخطوة الاخيرة في صيانة أمته من الفتن والزيغ فلم يترك أمرها فوضي - كما يزعمون - وانما عين لها القائد والموجه الذي يعني بامورها الاجتماعية والسياسية. ان هذه البيعة الكبري التي عقدها الرسول العظيم (ص) إلي باب مدينة علمه الامام أمير المؤمنين (ع) من أوثق الادلة علي اختصاص الخلافة والامامة به، وقد احتج بها الامام الحسين (ع) في مؤتمره الذي عقده بمكة لمعارضة حكومة معاوية وشجب سياسته فقد قال (ع): " أما بعد: فان هذا الطاغية - يعني معاوية - قد صنع بنا وبشيعتنا ما علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، واني أريد أن أسألكم عن شئ فان صدقت فصدقوني وان كذبت فكذبوني، واسمعوا مقالتي، واكتبوا قولي ثم ارجعوا إلي أمصاركم وقبائلكم ومن ائتمنتموه من الناس، ووثقتم به فادعوه إلي ما تعلمون من حقنا فانا نخاف أن يدرس هذا الحق، ويذهب ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون، وما ترك شيئا مما أنزل الله في القرآن فيهم الا تلاه وفسره ولا شيئا مما قاله رسول الله (ص): في أبيه وأمه ونفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقولون: اللهم نعم قد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعون: اللهم نعم قد حدثني به من أصدقه وآتمنه من الصحابة، وقال (ع) في عرض استدلاله:


" أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله نصبه - يعني عليا - يوم غدير خم فنادي له بالولاية، وقال: ليبلغ الشاهد الغائب، قالوا: اللهم نعم... " [6] .

إن البيعة للامام في يوم عيد الغدير جزء من رسالة الاسلام، وركن من أركان الدين، وهي تستهدف صيانة الامة من التيارات العقائدية، ووقايتها من الانحراف.


پاورقي

[1] سورة المائدة: نص علي نزول هذه الآية في يوم الغدير الواحدي في أسباب النزول والرازي في تفسيره وغيرهما.

[2] الغدير 2 / 34.

[3] مسند أحمد 4 / 281.

[4] الغدير 1 / 271.

[5] ذکر نزول الآية في يوم الغدير الخطيب البغدادي في تاريخه 8 / 290 والسيوطي في الدر المنثور وغيرهما.

[6] الغدير 1 / 199.