بازگشت

حجة الوداع


ولما علم النبي (ص) بدنو الاجل المحتوم منه رأي أن يحج إلي


بيت الله الحرام ليلتقي بعامة المسلمين، ويعقد هناك مؤتمرا عاما يضع فيه الخطوط السليمة لنجاة أمته، ووقايتها من الزيغ والانحراف. وحج النبي (ص) حجته الاخيرة الشهيرة بحجة الوداع في السنة العاشرة من الهجرة فاشاع فيها بين الوافدين لبيت الله الحرام ان التقاءه بهم في عامهم هذا هو آخر عهدهم به قائلا: " إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدا... ". وجعل يطوف علي الجماهير، ويعرفهم بما يضمن لهم نجاحهم وسعادتهم قائلا: " يا أيها الناس، اني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي... " [1] .

ان الركيزة الاولي لسلامة الامة، وصيانتها عن أي زيغ عقائدي هو تمسكها بكتاب الله، والتمسك بالعترة الطاهرة فهما أساس سعادتها ونجاحهها في الدنيا والآخرة. ولما انتهي (ص) من مراسيم الحج، وقف عند بئر (زمزم) وأمر ربيعة بن أمية بن خلف فوقف تحت صدر راحلته، وكان صبيا فقال: يا ربيعة قل: " يا أيها الناس ان رسول الله يقول لكم: لعلكم لا تلقونني علي مثل حالي هذه، وعليكم هذا، هل تدرون أي بلد هذا؟ وهل تدرون أي شهر هذا؟ وهل تدرون أي يوم هذا؟ ". فقال الناس: نعم هذا البلد الحرام، والشهر الحرام، واليوم الحرام وبعدما أقروا بذلك قال (ص): " ان الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا، وكحرمة


شهركم هذا، وكحرمة يومكم هذا ألا هل بلغت؟ ". قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، واتقوا الله " ولا تبخسوا الناس أشيآءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين " فمن كانت عنده أمانة فليؤدها. ثم قال (ص): الناس في الاسلام سواء الناس طف الصاع لآدم وحواء لا فضل لعربي علي عجمي، ولا عجمي علي عربي إلا بتقوي الله ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، ثم قال: لا تأتوني بأنسابكم، وأتوني باعمالكم، فاقول للناس هكذا ولكم هكذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد: ثم قال (ص): كل دم كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول دم أضعه دم آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب [2] .

ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، وكل ربا كان في الجاهلية موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، أيها الناس انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما، ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ثم قال: " أوصيكم بالنساء خيرا فانما هن عوار عندكم لا يملكن لانفسهن شيئا


وانما اخذتموهن بامانة الله، واستحللتم فروجهن بكتاب الله، ولكم عليهن حق ولهن عليكم حق كسوتهن، ورزقهن بالمعروف، ولكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم أحدا، ولا يأذن في بيوتكم الا بعلمكم واذنكم، فان فعلن شيئا من ذلك فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، فاوصيكم بمن ملكت ايمانكم فاطعموهم مما تأكلون، والبسوهم مما تلبسون، وان اذنبوا فكالوا عقوباتهم إلي شراركم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، ثم قال: ان المسلم أخو المسلم لا يغشه ولا يخونه، ولا يغتابه، ولا يحل له دمه، ولا شئ من ماله الا بطيب نفسه، الا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد. ويستمر (ص) في خطابه الحافل بما تضمنته الرسالة الاسلامية من البنود المشرقة في عالم التشريع، ثم ختمه بقوله: " لا ترجعوا بعدي كفارا مضللين يملك بعضكم رقاب بعض، اني خلفت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال (ص): اللهم اشهد، ثم التفت اليهم فطالبهم بالالتزام بما أعلنه وأذاعه فيهم قائلا:


" انكم مسؤولون فليبلغ الشاهد منكم الغائب " [3] .

وبذلك انتهي خطابه الرائع الحافل بما تحتاجه الامة في الصعيد الاجتماعي والسياسي، كما عين لها القادة من أهل بيته الذين يعنون بالاصلاح العام وببلوغ أهداف الامة في مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية.


پاورقي

[1] صحيح الترمذي 2 / 308.

[2] آدم بن ربيعة کان مسترضعا في هذيل فقتله بنو سعد بن بکر.

[3] تاريخ اليعقوبي 2 / 90 - 92.